عدد الزوار 135 التاريخ Saturday, October 23, 2021 6:41 AM
فأجاب: يَنْبَغِي عَلَى المُسْلِمِ أَنْ يَبْتَعِدَ عَنِ التَّلَفُّظِ بِتَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَهُ، قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).
وَمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ؛ فَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ، وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ تَحْرِيمٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِصِيغَةِ الظِّهَارِ، وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ التَّحْرِيمَ أَوْ الْيَمِينَ؛ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ؛ لِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيُّةٌ، فَلَهُ حُكْمُ الْيَمِينِ، يُكَفِّرُ كَفَّارَةَ يَمِينٍ. قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ۚ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: «إِذَا حَرَّمَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ، فَهِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا»، وَقَالَ: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَصُورَةُ الطَّلَاقِ: أَنَّهُ أَرَادَ إِيقَاعَ طَلْقَةٍ عَلَيْهَا وَمُفَارَقَتَهَا، لَكِنِ اخْتَارَ لَفْظَ التَّحْرِيمِ بَدَلَ لَفْظِ الطَّلَاقِ: أَنْتِ طَالِقٌ.
وَصُورَةُ الظِّهَارِ: أَنَّهُ أَرَادَ الظِّهَارَ لَكِنْ بِلَفْظِ التَّحْرِيمِ بَدَلَ لَفْظِ الظِّهَارِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي.
وَإِنْ أَرَادَ التَّخْوِيفَ وَالتَّهْدِيدَ، وَعَلَّقَ التَّحْرِيمَ بِشَرْطٍ لِتَمْتَنِعَ، أَوْ قَالَ بِلَفْظٍ مُنْجَزٍ وَقَصْدُهُ الِامْتِنَاعُ عَنْ زَوْجَتِهِ: فَهُوَ يَمِينٌ.
وَلِلْفَائِدَةِ أَذْكُرُ كَلَامًا لِلْقُرْطُبِيِّ قَالَهُ تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا، قَالَتْ: فَتَوَاطَأْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا مَا دَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلْتَقُلْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ! أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ. فَقَالَ: "بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَلَنْ أَعُودَ لَهُ". فَنَزَلَ: (لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ) إِلَى قَوْلِهِ: (إِنْ تَتُوبَا): لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا؛ لِقَوْلِهِ: "بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا" ... فَهَذَا قَوْلٌ.
وَقَوْلٌ آخَرُ: أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ الْمَرْأَةَ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَقْبَلْهَا لِأَجْلِ أَزْوَاجِهِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ. وَالْمَرْأَةُ أُمُّ شَرِيكٍ.
وَقَوْلٌ ثَالِثٌ: إِنَّ الَّتِي حَرَّمَ مَارِيَةُ الْقِبْطِيَّةُ .. رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأُمِّ وَلَدِهِ مَارِيَةَ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، فَوَجَدَتْهُ حَفْصَةُ مَعَهَا - وَكَانَتْ حَفْصَةُ غَابَتْ إِلَى بَيْتِ أَبِيهَا -، فَقَالَتْ لَهُ: تُدْخِلُهَا بَيْتِي! مَا صَنَعْتَ بِي هَذَا مِنْ بَيْنِ نِسَائِكَ إِلَّا مِنْ هَوَانِي عَلَيْكَ. فَقَالَ لَهَا: "لَا تَذْكُرِي هَذَا لِعَائِشَةَ، فَهِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ إِنْ قَرُبْتُهَا". قَالَتْ حَفْصَةُ: وَكَيْفَ تَحْرُمُ عَلَيْكِ وَهِيَ جَارِيَتُكَ؟! فَحَلَفَ لَهَا أَلَّا يَقْرَبَهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَا تَذْكُرِيهِ لِأَحَدٍ". فَذَكَرَتْهُ لِعَائِشَةَ، فَآلَى لَا يَدْخُلُ عَلَى نِسَائِهِ شَهْرًا، فَاعْتَزَلَهُنَّ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ) الْآيَةَ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَصَحُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَوَّلُهَا، وَأَضْعَفُهَا أَوْسَطُهَا. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: أَمَّا ضَعْفُهُ فِي السَّنَدِ فَلِعَدَمِ عَدَالَةِ رُوَاتِهِ، وَأَمَّا ضَعْفُهُ فِي مَعْنَاهُ؛ فَلِأَنَّ رَدَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمَوْهُوبَةِ لَيْسَ تَحْرِيمًا لَهَا؛ لِأَنَّ مَنْ رَدَّ مَا وُهِبَ لَهُ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ، إِنَّمَا حَقِيقَةُ التَّحْرِيمِ بَعْدَ التَّحْلِيلِ. وَأَمَّا مَنْ رَوَى أَنَّهُ حَرَّمَ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ، فَهُوَ أَمْثَلُ فِي السَّنَدِ وَأَقْرَبُ إِلَى الْمَعْنَى، لَكِنَّهُ لَمْ يُدَوَّنْ فِي الصَّحِيحِ، وَرُوِيَ مُرْسَلًا، وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: "أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَاللَّهِ لَا آتِيَنَّكِ"، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي ذَلِكَ: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ)، وَرَوَى مِثْلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ ...
وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ أَنَّهُ كَانَ فِي الْعَسَلِ، وَأَنَّهُ شَرِبَهُ عِنْدَ زَيْنَبَ، وَتَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ فِيهِ، فَجَرَى مَا جَرَى، فَحَلَفَ أَلَّا يَشْرَبَهُ وَأَسَرَّ ذَلِكَ، وَنَزَلَتْ الْآيَةُ فِي الْجَمِيعِ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِزَوْجَتِهِ: "أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ" عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ قَوْلًا:
أَحَدُهَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَمَسْرُوقٌ، وَرَبِيعَةُ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَأَصْبَغُ.
وَهُوَ عِنْدَهُمْ كَتَحْرِيمِ الْمَاءِ وَالطَّعَامِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ)، وَالزَّوْجَةُ مِنَ الطَّيِّبَاتِ، وَمِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ. وَقَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ). وَمَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَرِّمَهُ، وَلَا أَنْ يَصِيرَ بِتَحْرِيمِهِ حَرَامًا، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لَمَّا أَحَلَّهُ اللَّهُ: هُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ. وَإِنَّمَا امْتَنَعَ مِنْ مَارِيَةَ لِيَمِينٍ تَقَدَّمَتْ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُهَا بَعْدَ الْيَوْمِ، فَقِيلَ لَهُ: (لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ)؛ أَيْ: لِمَ تَمْتَنِعْ مِنْهُ بِسَبَبِ الْيَمِينِ؟ يَعْنِي أَقْدِمْ عَلَيْهِ وَكَفِّرْ.
وَثَانِيهَا: أَنَّهَا يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا؛ قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْآيَةِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِذَا حَرَّمَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ، فَإِنَّمَا هِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)؛ يَعْنِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ حَرَّمَ جَارِيَتَهُ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ) إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ)، فَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ، وَصَيَّرَ الْحَرَامَ يَمِينًا. خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
وَثَالِثُهَا: أَنَّهَا تَجِبُ فِيهَا كَفَّارَةٌ، وَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ؛ قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْهِ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَفِي هَذَا الْقَوْلِ نَظَرٌ. وَالْآيَةُ تَرُدُّهُ عَلَى مَا يَأْتِي.
وَرَابِعُهَا: هِيَ ظِهَارٌ؛ فَفِيهَا كَفَّارَةُ الظِّهَارِ، قَالَهُ عُثْمَانُ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ.
وَخَامِسُهَا: أَنَّهُ إِنْ نَوَى الظِّهَارَ، وَهُوَ يَنْوِي أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ كَتَحْرِيمِ ظَهْرِ أُمِّهِ: كَانَ ظِهَارًا، وَإِنْ نَوَى تَحْرِيمَ عَيْنِهَا عَلَيْهِ بِغَيْرِ طَلَاقٍ تَحْرِيمًا مُطْلَقًا: وَجَبَتْ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا: فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ؛ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ.
وَسَادِسُهَا: أَنَّهَا طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ؛ قَالَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَالزُّهْرِيُّ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، وَابْنُ الْمَاجَشُونِ.
وَسَابِعُهَا: أَنَّهَا طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ، قَالَهُ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ خُوَيْزٍ مِنْدَادٌ عَنْ مَالِكٍ.
وَثَامِنُهَا: أَنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ، قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا، وَأَبُو هُرَيْرَةَ.
وَتَاسِعُهَا: هِيَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا ثَلَاثٌ، وَيَنْوِي فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، قَالَهُ الْحَسَنُ، وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، وَالْحَكَمُ، وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ.
وَعَاشِرُهَا: هِيَ ثَلَاثٌ، وَلَا يَنْوِي بِحَالٍ وَلَا فِي مَحَلٍّ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ، قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَبْسُوطِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى.
وَحَادِي عَشَرِهَا: هِيَ فِي الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَاحِدَةٌ، وَفِي الَّتِي دَخَلَ بِهَا ثَلَاثٌ؛ قَالَهُ أَبُو مُصْعَبٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ.
وَثَانِي عَشَرِهَا: أَنَّهُ إِنْ نَوَى الطَّلَاقَ أَوْ الظِّهَارَ: كَانَ مَا نَوَى، فَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ ثَلَاثًا، فَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ فَوَاحِدَةً، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا كَانَتْ يَمِينًا، وَكَانَ الرَّجُلُ مُولِيًا مِنَ امْرَأَتِهِ، قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، وَبِمِثْلِهِ قَالَ زُفَرُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: إِذَا نَوَى اثْنَتَيْنِ أَلْزَمْنَاهُ.
وَثَالِثُ عَشَرِهَا: أَنَّهُ لَا تَنْفَعُهُ نِيَّةُ الظِّهَارِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ طَلَاقًا؛ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.
وَرَابِعُ عَشَرِهَا: قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: يَكُونُ طَلَاقًا، فَإِنِ ارْتَجَعَهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ.
وَخَامِسُ عَشَرِهَا: إِنْ نَوَى الطَّلَاقَ فَمَا أَرَادَ مِنْ أَعْدَادِهِ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَهِيَ رَجْعِيَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.
وَسَادِسُ عَشَرِهَا: إِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثًا، وَإِنْ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ، وَإِنْ نَوَى يَمِينًا فَهِيَ يَمِينٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ، وَبِمِثْلِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ، إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا: إِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ.
وَسَابِعُ عَشَرِهَا: لَهُ نِيَّتُهُ، وَلَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ وَاحِدَةٍ؛ قَالَهُ ابْنُ شِهَابٍ. وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ؛ قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ.
وَرَأَيْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَهُوَ الثَّامِنَ عَشَرَ: أَنَّ عَلَيْهِ عِتْقَ رَقَبَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْهَا ظِهَارًا. وَلَسْتُ أَعْلَمُ لَهَا وَجْهًا، وَلَا يَبْعُدُ فِي الْمَقَالَاتِ عِنْدِي.
قُلْتُ: قَدْ ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنِّي جَعَلْتُ امْرَأَتِي عَلَيَّ حَرَامًا. فَقَالَ: كَذَبْتَ! لَيْسَتْ عَلَيْكَ بِحَرَامٍ، ثُمَّ تَلَا: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ)، عَلَيْكَ أَغْلَظُ الْكَفَّارَاتِ: عِتْقُ رَقَبَةٍ. وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ: إِنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ، وَعَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَارِيَةَ؛ قَالَهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَغَيْرُهُ. انْتَهَى.