عدد الزوار 158 التاريخ Tuesday, October 19, 2021 5:46 AM
فَأَجَابَ: لَا يَنْبَغِي التَّلَاعُبُ وَالْعَبَثُ بِالطَّلَاقِ وَالتَّلَفُّظِ بِهِ هَازِلًا؛ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهِ مِنْ الْهَازِلِ الْعَالِمِ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَقَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَغَيْرِهِمْ. انتهى.
وَرَوَى الْحَدِيثَ الْحَاكِمُ، وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَبِيبٍ مِنْ ثِقَاتِ الْمَدَنِيِّينَ. وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ بِقَوْلِهِ: فِيهِ لِينٌ.
وَالْحَدِيثُ لَهُ شَوَاهِدُ مَرْفُوعَةٌ وَمَوْقُوفَةٌ، لَا تَخْلُو أَسَانِيدُهَا مِنْ مَقَالٍ، وَقَدْ حُسِّنَ بِهَا.
وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي طَلَاقِ الْهَازِلِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَقَعُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَلَى أَنَّ جِدَّ الطَّلَاقِ وَهَزْلَهُ سَوَاءٌ، رُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَنَحْوُهُ عَنْ عَطَاءٍ، وَعُبَيْدَةَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ، وَأَهْلِ الْعِرَاقِ. انْتَهَى.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يَقَعُ لِعَدَمِ نِيَّةِ الطَّلَاقِ، وَهُوَ قَوْلٌ وَجِيهٌ؛ لِمَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ القَيِّمِ: وَتَضَمَّنَتْ أَنَّ الْمُكَلَّفَ إِذَا هَزَلَ بِالطَّلَاقِ أَوِ النِّكَاحِ أَوِ الرَّجْعَةِ؛ لَزِمَهُ مَا هَزَلَ بِهِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ كَلَامَ الْهَازِلِ مُعْتَبَرٌ، وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ كَلَامُ النَّائِمِ وَالنَّاسِي وَزَائِلِ الْعَقْلِ وَالْمُكْرَهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْهَازِلَ قَاصِدٌ لِلَفْظٍ غَيْرُ مُرِيدٍ لِحُكْمِهِ، وَذَلِكَ لَيْسَ إِلَيْهِ، فَإِنَّمَا إِلَى الْمُكَلَّفِ الْأَسْبَابُ، وَأَمَّا تَرَتُّبُ مُسَبَّبَاتِهَا وَأَحْكَامِهَا، فَهُوَ إِلَى الشَّارِعِ، قَصَدَهُ الْمُكَلَّفُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ.