عدد الزوار 175 التاريخ Wednesday, August 25, 2021 7:46 AM
فأجاب: لَا يَجُوزُ قَصْدُ قَبْرِ النَّبِيِّ - ﷺ - وَلَا قَبْرِ غَيْرِهِ لِلدُّعَاءِ تَحَرِّيًا لِلْإِجَابَةِ، وَإِنْ أَتَى قَبْرَ النَّبِيِّ - ﷺ - فَسَلَّمَ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَانْصَرَفَ، فَعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ - وَهُوَ زَيْنُ العَابِدِينَ مِنْ أَجَلِّ التَّابِعِينَ - أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَجِيءُ إِلَى فُرْجَةٍ كَانَتْ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ - ﷺ - فَيَدْخُلُ فِيهَا فَيَدْعُو، فَدَعَاهُ فَقَالَ: أَلَا أُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - ﷺ -، قَالَ: (لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا، وَلَا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُمَا كُنْتُمْ). لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَهُ شَوَاهِدُ، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ، وَالحَافِظُ المَقْدِسِيُّ فِي "المُخْتَارَةِ" مِنَ الأَحَادِيثِ الجِيَادِ.
وَرَوَى نُوحُ بْنُ يَزِيدَ المُؤَدِّبُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ - يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ - قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَبِي قَطُّ يَأْتِي قَبْرَ النَّبِيِّ - ﷺ -، وَكَانَ يَكْرَهُ إِتْيَانَهُ.
وَسَعْدٌ أَدْرَكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَلَمْ يَكُنْ لِيُخَالِفَهُمْ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ.
وَقَالَ الإِمَامُ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ لِمَنْ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، أَوْ خَرَجَ إِلَى سَفَرٍ أَنْ يَقِفَ عَلَى قَبْرِ النَّبِيِّ - ﷺ -، فَيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، وَيَدْعُوَ لَهُ.
وَذَكَرَ القَاضِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي المَبْسُوطِ، قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى أَنْ يَقِفَ الرَّجُلُ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ - ﷺ - يَدْعُو، وَلَكِنْ يُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ - ﷺ -، وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، ثُمَّ يَمْضِي، وَقَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ المَنْقُولُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ أَتَى قَبْرَ النَّبِيِّ - ﷺ -، فَقَالَ: "السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَتَاهُ". ثُمَّ يَنْصَرِفُ وَلَا يَقِفُ يَدْعُو.
قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: مَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - ﷺ - فَعَلَ ذَلِكَ، إِلَّا ابْنَ عُمَرَ. انتهى.
فَرَأَى مَالِكٌ أَنَّ الوُقُوفَ وَالدُّعَاءَ مِنَ البِدَعِ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الهَادِي: وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ العُلَمَاءُ وَالسَّلَفُ فِي الدُّعَاءِ لِلرَّسُولِ - ﷺ - عِنْدَ قَبْرِهِ، مِنْهُمْ مَنْ نَهَى عَنِ الوُقُوفِ لِلدُّعَاءِ لَهُ دُونَ السَّلَامِ عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَخَّصَ فِي هَذَا وَهَذَا، وَمِنْهُمْ مَنْ نَهَى عَنْ هَذَا وَهَذَا، وَأَمَّا دُعَاؤُهُ هُوَ وَطَلَبُ اسْتِغْفَارِهِ وَشَفَاعَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَهَذَا لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ.