عدد الزوار 262 التاريخ 01/01/2021
فَأَجَابَ: الأُضْحِيَةُ الوَاحِدَةُ مِنَ الغَنَمِ أَوْ سُبْعِ البَدَنَةِ تُجْزِئُ عَنِ الرَّجُلِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ الأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ، وَإِنْ كَثُرَ العَدَدُ.
وَلَا يَنْبَغِي المُبَاهَاةُ وَالمُفَاخَرَةُ، فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: «سَأَلْتُ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ: كَيْفَ كَانَتْ الضَّحَايَا فِيكُمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ، حَتَّى تَبَاهَى النَّاسُ فَصَارَ كَمَا تَرَى». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ.
وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُضَحِّيَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ مَعَ الإِيسَارِ، أَوْ أَحَبَّ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يُضَحِّيَ هُوَ أَيْضًا بَعِيدًا عَنِ المُبَاهَاةِ، فَيُشْرَعُ ذَلِكَ، وَلَا مَحْظُورَ فِيهِ؛ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ، وَأَنَا أُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اخْتِيَارِ العَدَدِ فِي الأُضْحِيَةِ. انتهى.
وَفِي شَرْحِ صَحِيحِ البُخَارِيِّ لِابْنِ بَطَّالٍ: وَهَذِهِ الآثَارُ مُبَيِّنَةٌ لِمَعْنَى حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمُفَسِّرَةٌ لَهُ، وَاخْتِلَافُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الأَمْرَ فِي ذَلِكَ وَاسِعٌ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ نَفْسِهِ بِاثْنَيْنِ وَثَلَاثَةٍ؛ فَهُوَ أَزْيَدُ فِي أَجْرِهِ.
وَأَخْرَجَ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ: أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَبِكَبْشَيْنِ عَنْ نَفْسِهِ. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
وَثَبَتَ عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ، قَالَ: كَانَ أَهْلُ البَيْتِ يُضَحُّونَ بِالشَّاةِ وَالشَّاتَيْنِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَ إِسْنَادَهُ البُوصِيرِيُّ وَالشَّوْكَانِيُّ.
وَقَال البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: أَمَرَ أَبُو مُوسَى بَنَاتِهِ أَنْ يُضَحِّينَ بِأَيْدِيهِنَّ. وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالحَاكِمُ، وَصَحَّحَ إِسْنَادَهُ ابْنُ حَجَرٍ.
وَقَالَ ابْنُ المُسَيَّبِ: كَانَ أَهْلُ البَيْتِ يُضَحُّونَ بِالشَّاةِ، ضَحَّوْا هُمْ «أَيْ: أَهْلُ العِرَاقِ» عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ. رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ.
وَأَهْدَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِائَةَ بَدَنَةٍ، (فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
لِذَا فَضَّلَ جُمْهُورُ العُلَمَاءِ البَدَنَةَ الكَامِلَةَ عَلَى الكَبْشِ، وَالفُقَهَاءُ يَقِيسُونَ الضَّحَايَا عَلَى الهَدَايَا.
وَقَالَ الشَّيْخُ السَّعْدِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ -: اعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الضَّحَايَا كَحُكْمِ الهَدَايَا، فَمَا جَازَ فِي الهَدَايَا جَازَ فِي الضَّحَايَا. انتهى
وَلَوْ كَانَ تَعَدُّدُ الأُضْحِيَةِ مَحَلَّ ذَمٍّ وَخِلَافَ السُّنَّةِ؛ لَبَيَّنَ ذَلِكَ الرَّحِيمُ بِأُمَّتِهِ، خَاصَّةً وَالحَاجَةُ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ عَلَى ظَاهِرِيَّتِهِ: وَجَائِزٌ أَنْ يُضَحِّيَ الوَاحِدُ بِعَدَدٍ مِنَ الأَضَاحِي، ضَحَّى رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، الأُضْحِيَةُ فِعْلُ خَيْرٍ، فَالاسْتِكْثَارُ مِنَ الخَيْرِ حَسَنٌ. انتهى.
وَقَالَ فِي كِتَابِ المَسَالِكِ: وَالاخْتِيَارُ فِيهِ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ كُلِّ نَفْسٍ شَاةً، فَإِنْ ضَحَّى بِشَاةٍ وَاحِدَةٍ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِ بَيْتِهِ أَجْزَأَهُمْ.
وَقَالَ: لَا خِلَافَ أَنَّ الوَاحِدَ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ يُجْزِئُ الإِنْسَانَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَكِنْ قَالَ مَالِكٌ: يُسْتَحَبُّ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: أَنْ يُضَحَّى عَنِ الإِنْسَانِ بِشَاةٍ لِمَنِ اسْتَطَاعَ ذَلِكَ.
وَقَالَ شَيْخُنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ بَازٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: فَإِذَا ضَحَّى الإِنْسَانُ بِوَاحِدَةٍ أَوْ بِثِنْتَيْنِ أَوْ بِأَكْثَرَ: فَلَا بَأْسَ.
وَفِي فَتَاوَى اللَّجْنَةِ الدَّائِمَةِ: إِذَا كَانَتِ العَائِلَةُ كَثِيرَةً وَهِيَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، فَيُجْزِئُ عَنْهُمْ أُضْحِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ ضَحَّوْا بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ فَهُوَ أَفْضَلُ. انتهى.
وَلِشَيْخِنَا مُحَمَّدٍ العُثَيْمِينِ - رَحِمَهُ اللهُ - كَلَامٌ حَسَنٌ فِي عَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ الأُضْحِيَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ عَنِ الرَّجُلِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ.
وَاللهُ أَعْلَمُ.