عدد الزوار 812 التاريخ 01/01/2021
فأجاب: القَوْلُ الرَّاجِحُ - وَاللهُ أَعْلَمُ - قَوْلُ الجُمْهُورِ: أَنَّ الأُضْحِيَةَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا تَهَاوُنًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا: مَا جَاءَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ، فَعَلَّقَ الأُضْحِيَةَ بِالإِرَادَةِ.
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا ضَحَّى، اشْتَرَى كَبْشَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقَرْنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَإِذَا صَلَّى وَخَطَبَ النَّاسَ، أُتِيَ بِأَحَدِهِمَا وَهُوَ قَائِمٌ فِي مُصَلَّاهُ، فَذَبَحَهُ بِنَفْسِهِ بِالْمُدْيَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ هَذَا عَنْ أُمَّتِي جَمِيعًا، مَنْ شَهِدَ لَك بِالتَّوْحِيدِ، وَشَهِدَ لِي بِالْبَلَاغِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِالْآخَرِ فَيَذْبَحُهُ بِنَفْسِهِ، وَيَقُولُ: هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، فَيُطْعِمُهُمَا جَمِيعًا الْمَسَاكِينَ، وَيَأْكُلُ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنْهُمَا، فَمَكَثْنَا سِنِينَ لَيْسَ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ يُضَحِّي، قَدْ كَفَاهُ اللَّهُ الْمُؤْنَةَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْغُرْمَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ: وَإِسْنَادُ أَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ حَسَنٌ. وَثَبَتَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، أَنَّهُمَا كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ كَرَاهَةَ أَنْ يَظُنَّ مَنْ رَآهُمَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ. أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ.
وَكَذَلِكَ ثَبَتَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ مِثْلُ هَذَا مَعَ إِيسَارِهِ. أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ.
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: "لَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَصَحَّ أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَنْ الْجُمْهُورِ".
وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا: فَلَا مَانِعَ مِنَ التَّرَاجُعِ عَنْ ذَبْحِ الأُضْحِيَةِ وَإِنْ كَانَ عَازِمًا وَأَمْسَكَ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُعَيِّنَ الأُضْحِيَةَ بِقَوْلِهِ قَاصِدًا التَّعْيِينَ أَوْ بِذَبْحِهَا بِنِيَّةِ الأُضْحِيَةِ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ أَيْضًا بِالشِّرَاءِ مَعَ النِّيَّةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
وَإِذَا تَعَيَّنَتْ حَرُمَ التَّرَاجُعُ، فَعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ النَّحْرِ: «مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ».
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «أَهْدَى عُمَرُ نَجِيبًا، فَأُعْطِيَ بِهَا ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ، فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أَهْدَيْتُ نَجِيبًا فَأُعْطِيت بِهَا ثَلَاثَمِائَةِ دِينَارٍ، فَأَبِيعُهَا وَأَشْتَرِي بِثَمَنِهَا بُدْنًا؟ قَالَ: لَا، انْحَرْهَا إيَّاهَا». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وابْنُ حِبَّانَ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحَيْهِمَا.
وَقَوْلُهُ: (نَجِيبًا)، النَّجِيبُ: النَّاقَةُ.