عدد الزوار 261 التاريخ 01/01/2021
فأجاب: الحَدَثُ الدَّائِمُ كَسَلَسِ البَوْلِ وَالرِّيحِ وَالاسْتِحَاضَةِ وَنَحْوِهَا: يَجِبُ عَلَى المُبْتَلَى بِهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، وَيُصَلِّيَ فِي الوَقْتِ مَا شَاءَ مِنَ الصَّلَوَاتِ، وَلَا يَضُرُّهُ حَدَثُهُ الدَّائِمُ، وَكَذَلِكَ يُصَلِّي بِوُضُوءِ العِشَاءِ التَّرَاوِيحَ، وَيُصَلِّي التَّهَجُّدَ وَقِيَامَ اللَّيْلِ، وَلَوْ بَعْدَ مُنْتَصِفِ اللَّيْلِ، وَإِنْ جَدَّدَ الوُضُوءَ بَعْدَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ فَأَحْوَطُ لَهُ.
قَالَ البُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ سَلَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لَا، إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِحَيْضٍ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّي). قَالَ: وَقَالَ أَبِي: "ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ" حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الوَقْتُ.
وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: "مَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ حِفْظُ الطَّهَارَةِ مِقْدَارَ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي، وَلَا يَضُرُّهُ مَا خَرَجَ مِنْهُ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا يَنْتَقِضُ وُضُوؤُهُ بِذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الأَئِمَّةِ، وَأَكْثَرُ مَا عَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ. وَقَدْ تَنَازَعَ العُلَمَاءُ فِي المُسْتَحَاضَةِ وَمَنْ بِهِ سَلَسُ البَوْلِ وَأَمْثَالِهِمَا، مِثْلِ مَنْ بِهِ رِيحٌ يَخْرُجُ عَلَى غَيْرِ الوَجْهِ المُعْتَادِ، وَكُلِّ مَنْ بِهِ حَدَثٌ نَادِرٌ. فَمَذْهَبُ مَالِكٍ: أَنَّ ذَلِكَ يَنْقُضُ الوُضُوءَ بِالحَدَثِ المُعْتَادِ. وَلَكِنَّ الجُمْهُورَ - كَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ - يَقُولُونَ: إِنَّهُ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، أَوْ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ. رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ، وَصَحَّحَ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الحُفَّاظِ؛ فَلِهَذَا كَانَ أَظْهَرَ قَوْلَيِ العُلَمَاءِ: أَنَّ مِثْلَ هَؤُلَاءِ يَتَوَضَّئُونَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، أَوْ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ. وَأَمَّا مَا يَخْرُجُ فِي الصَّلَاةِ دَائِمًا فَهَذَا لَا يَنْقُضُ الوُضُوءَ بِاتِّفَاقِ العُلَمَاءِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: أَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ كَانَتْ تُصَلِّي وَالدَّمُ يَقْطُرُ مِنْهَا، فَيُوضَعُ لَهَا طَسْتٌ يَقْطُرُ فِيهِ الدَّمُ. وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، صَلَّى وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا. وَمَا زَالَ المُسْلِمُونَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلُّونَ فِي جِرَاحَاتِهِمْ".