إِشْكَالٌ وَالإِجَابَةُ عَنْهُ (الطلاق)
عدد الزوار
141
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ –: قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَأَمَّا لَوْ طَلَّقَهَا ”الثَّلَاثَ” طَلَاقًا مُحَرَّمًا؛ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثَةً جُمْلَةً وَاحِدَةً؛ فَهَذَا فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ؛ ”أَحَدُهُمَا”: يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ، وَ”الثَّانِي”: لَا يَلْزَمُهُ إِلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا فِي العِدَّةِ، وَيَنْكِحَهَا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ بَعْدَ العِدَّةِ. وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ السَّلَفِ وَالخَلَفِ، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَهَذَا أَظْهَرُ القَوْلَيْنِ؛ لِدَلَائِلَ كَثِيرَةٍ؛ مِنْهَا: مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ، وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ وَاحِدَةً.
وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {أَنَّ رُكَانَةَ بْنَ عَبْدِ يَزِيدَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، وَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ وَاحِدَةٌ، وَرَدَّهَا عَلَيْهِ}. وَهَذَا الحَدِيثُ قَدْ ثَبَّتَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ، وَضَعَّفَ أَحْمَدُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَابْنُ حَزْمٍ، وَغَيْرُهُمْ مَا رُوِيَ: {أَنَّهُ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ، وَقَدِ اسْتَحْلَفَهُ مَا أَرَدْتَ إِلَّا وَاحِدَةً؟}؛ فَإِنَّ رُوَاةَ هَذَا مَجَاهِيلُ، لَا يُعْرَفُ حِفْظُهُمْ وَعَدْلُهُمْ، وَرُوَاةُ الأَوَّلِ مَعْرُوفُونَ بِذَلِكَ. انتهى.
السُّؤَالُ: كَيْفَ ذَهَبَ الأَئِمَّةُ الأَرْبَعَةُ إِلَى إِيقَاعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ ثَلَاثًا، مَعَ وُجُودِ حَدِيثَيِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -؛ الأَوَّلُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَالثَّانِي جَوَّدَ إِسْنَادَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ؟
الإجابة :
فأجاب: لَقَدْ ذَهَبَ الأَئِمَّةُ الأَرْبَعَةُ إِلَى إِيقَاعِ الطَّلَاقِ بِالثَّلَاثِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ ثَلَاثًا؛ لِدُخُولِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الطَّلَاقِ فِي عُمُومِ القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ المُعْتَبِرِ التَّلَفُّظَ بِالطَّلَاقِ طَلَاقًا وَاقِعًا، وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ تُوقِعُ الطَّلَاقَ، وَإِنْ كَانَتْ مُحْتَمِلَةَ التَّأْوِيلِ؛ كَحَدِيثِ عُوَيْمِرٍ المُتَّفَقِ عَلَيْهِ.
وَجَاءَ عَنْ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ اعْتِبَارُهَا ثَلَاثًا، حَتَّى قَالَ المَجْدُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى إجْمَاعِهِمْ عَلَى صِحَّةِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ بِالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ.
وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الأَوَّلِ المُخْرَّجِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، بِأَنَّ ذَلِكَ فِي حَقِّ المُطَلَّقَةِ غَيْرِ المَدْخُولِ بِهَا، كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ، أَوْ أَنَّ التَّكْرَارَ قَصَدَ المُطَلِّقُ بِهِ التَّأْكِيدَ لَا التَّأْسِيسَ، وَقَدْ تَكَلَّمَ الإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ فِي تَفَرُّدِ طَاوُوسَ عَنْ بَقِيَّةِ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِعَدِّ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً.
وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ رُكَانَةَ بِأَنَّهُ مُضْطَرِبٌ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ البُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ، وَأَنَّ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِيهَا أَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ أَلْبَتَّةَ قَاصِدًا التَّأْكِيدَ لَا تَكْرَارَ الطَّلَاقِ أَصَحُّ، رَوَى ذَلِكَ ابْنُهُ، وَأَوْلَادُ أَبِي رُكَانَةَ أَعْلَمُ بِالوَاقِعَةِ، كَمَا رَجَّحَ ذَلِكَ أَبُو دَاوُدَ، وَالبَيْهَقِيُّ، وَغَيْرُهُمَا، وَلِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَهُ فَتْوَى بِأَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ أَوْ أَكْثَرَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ تُحْسَبُ ثَلَاثًا، وَتَبِينُ بِهَا الزَّوْجَةُ، وَلَوْ صَحَّ مَا تَقَدَّمَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ وَيُخَالِفْهُ.
وَاللهُ أَعْلَمُ.
المصدر :
فتاوي الشيخ علي بن عبد الله النمي