عدد الزوار 131 التاريخ 01/01/2021
فأجاب: قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ العَتَكِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ المُبَارَكِ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ جَارِيَةَ اللَّخْمِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيَّ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا ثَعْلَبَةَ، كَيْفَ تَقُولُ فِي هَذِهِ الآيَةِ: "عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ"؟، قَالَ أَمَا وَاللهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –، فَقَالَ: بَلِ ائْتَمِرُوا بِالمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ المُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ؛ فَعَلَيْكَ – يَعْنِي – بِنَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ العَوَامَّ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، الصَّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ، وَزَادَنِي غَيْرُهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ".
وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ"، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالحَاكِمُ، وَقَالَ: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ"، وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ. وَأَخْرَجَهُ غَيْرُهُمْ، وَقَدْ تُكُلِّمَ فِي الحَدِيثِ مِنْ أَجْلِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ، فَهُوَ صَدُوقٌ يُخْطِئُ كَثِيرًا، وَعَمْرُو بْنُ جَارِيَةَ اللَّخْمِيُّ مَقْبُولٌ، وَكَذَلِكَ أَبُو أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيُّ، وَمَا دُونَ قَوْلِهِ: "لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ"، شَوَاهِدُ حُكِمَ عَلَيْهَا بِأَنَّهَا حَسَنَةٌ أَوْ صَحِيحَةٌ لِغَيْرِهَا.
وَالمَعْنَى: عِنْدَ فَسَادِ الأُمُورِ، وَانْتِكَاسِ الأَحْوَالِ، وَشِدَّةِ الإِعْرَاضِ، وَاسْتِئْسَادِ الجَهْلِ وَالشَّهْوَةِ، وَظُهُورِ الغَفْلَةِ؛ لِقُوَّةِ الطَّمَعِ، وَالأَنَانِيَةِ، وَغَلَبَةِ الهَوَى، وَتَمَكُّنِ الدُّنيَا فِي القُلُوبِ، حَتَّى أَشْغَلَتْهُمْ عَنْ آخِرَتِهِمْ، وَفَضَّلُوا مَصَالِحَ دُنْيَاهُمْ عَلَى مَصَالِحِ أُخْرَاهُمْ، وَسَادَ التَّعَالُمُ، وَتَرَأَّسَ الجَهَلَةُ، وَاسْتُحْسِنَ الرَّأْيُ حَتَّى قُدِّمَ عَلَى الوَحْيِ، فَأَصْبَحَ التَّذْكِيرُ لَا يَكَادُ يَنْفَعُ، وَالنُّصْحُ لَا يُجْدِي كَثِيرًا؛ لِلْإِصْرَارِ وَالعِنَادِ، وَظُهُورِ الأَشْرَارِ، وَضَعْفِ الأَخْيَارِ، وَكَثْرَةِ الفِتَنِ وَالمُلْهِيَاتِ وَالصَّوَارِفِ إِلَى دَرَجَةِ أَنَّ المُسْلِمَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيَخْشَى عَلَى دِينِهِ، عِنْدَ ذَلِكَ يُنْكِرُ حَسَبَ اسْتِطَاعَتِهِ، وَيَكْرَهُ بِقَلْبِهِ، وَيَجْتَهِدُ فِي إِصْلَاحِ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ، وَيَعْتَزِلُ الفِتَنَ، وَيَتَجَنَّبُ أَصْحَابَهَا، وَيُمْسِكُ عَلَى دِينِهِ، وَإِنْ قَلَّ النَّاصِرُ وَلَمْ يُوجَدِ المُعِينُ، وَإِنْ طَالَتْهُ الأَذِيَّةُ، وَآلَمَتْهُ الحُرْقَةُ، فَإِنَّ الأَجْرَ العَظِيمَ سَلْوَةُ العَبْدِ الصَّالِحِ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ.