عدد الزوار 110 التاريخ 01/01/2021
فأجاب: التَّثْوِيبُ، وَهُوَ قَوْلُ: "الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ" فِي الأَذَانِ المُعْلِمِ بِدُخُولِ وَقْتِ صَلَاةِ الفَجْرِ، وَرَدَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ بَعْضُهَا يَشُدُّ بَعْضًا، مِمَّا يَجْعَلُ النَّفْسَ تَطْمَئِنُّ لِثُبُوتِ ذَلِكَ، وَقَدْ صَحَّحَ بَعْضَ أَفْرَادِهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ العُلَمَاءِ؛ فَمِنْهَا:
مَا ثَبَتَ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، عَلِّمْنِي سُنَّةَ الأَذَانِ، فَقَالَ: تَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ، إِلَى أَنْ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ، فَإِنْ كَانَ صَلَاةُ الصُّبْحِ، قُلْتَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَبَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُمْ.
وَفِي لَفْظٍ: (الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، فِي الأَوَّلِ مِنَ الصُّبْحِ).
المُرَادُ بِالأَوَّلِ: أَذَانُ الفَجْرِ؛ فَإِنَّهُ الذِي مِنَ الصُّبْحِ، وَيُقَالُ لَهُ الأَوَّلُ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِقَامَةِ، لَا أَنَّ المُرَادَ بِهِ الأَوَّلُ الذِي يُؤَذَّنُ بِلَيْلٍ قَبْلَ الصُّبْحِ.
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: "وَرَوَى التَّثْوِيبَ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: «كَانَ الْأَذَانُ بَعْدَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ، مَرَّتَيْنِ»، قَالَ الْيَعْمُرِيُّ: وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ".
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: رَوَى السَّرَّاجُ، وَالطَّبَرَانِيُّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: (كَانَ الأَذَانُ الأَوَّلُ بَعْدَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، مَرَّتَيْنِ). وَسَنَدُهُ حَسَنٌ. انْتَهَى.
وَثَبَتَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: (مِنْ السُّنَّةِ إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْفَجْرِ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَالَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ). رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، وَالدَّارَقُطْنِيَّ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَصَحَّحَ إِسْنَادَهُ البَيْهَقِيُّ وَابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ السَّكَنِ.
وَرَوَى البَيْهَقِيُّ فِي "المَعْرِفَةِ"، عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ المُؤَذِّنِ، قَالَ: (حَدَّثَنِي أَهْلِي، أَنَّ بِلَالًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُؤْذِنُ لِصَلَاةِ الفَجْرِ، فَقَالُوا: إِنَّهُ نَائِمٌ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، فَأُقِرَّتْ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ). وَقَالَ: هَذَا مُرْسَلٌ حَسَنٌ، وَالطَّرِيقُ لَهُ صَحِيحٌ. قَالَ فِي "الإِمَامِ": وَأَهْلُ حَفْصٍ غَيْرُ مُسَمَّيْنَ، فَهُمْ مَجْهُولُونَ. انْتَهَى.
قَالَ مُقَيِّدُهُ: وَمِثْلُ هَذَا يُحْتَمَلُ لِكَثْرَتِهِمْ وَفَضْلِ قَرْنِهِمْ.
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ، وَعَنْ نُعَيْمٍ النَّحَّامِ عِنْدَ البَيْهَقِيِّ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى الْقَوْلِ بِشَرْعِيَّةِ التَّثْوِيبِ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَابْنُهُ، وَأَنَسٌ، وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَدَاوُدُ، وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ رَأْيُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَحَلِّهِ؛ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَقَطْ. وَالأَحَادِيثُ لَمْ تَرِدْ بِإِثْبَاتِهِ إِلَّا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ لَا فِي غَيْرِهَا، فَالوَاجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى ذَلِكَ، وَالجَزْمُ بِأَنَّ فِعْلَهُ فِي غَيْرِهَا بِدْعَةٌ، كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ، وَغَيْرُهُ. انْتَهَى.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ أَنْ صَحَّحَ التَّثْوِيبَ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ، قَالَ: "وَهُوَ الذِي اخْتَارَهُ أَهْلُ العِلْمِ وَرَأَوْهُ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ مَسْجِدًا وَقَدْ أُذِّنَ فِيهِ، وَنَحْنُ نُرِيدُ أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِ، فَثَوَّبَ المُؤَذِّنُ، فَخَرَجَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ مِنَ المَسْجِدِ، وَقَالَ: اخْرُجْ بِنَا مِنْ عِنْدِ هَذَا المُبْتَدِعِ، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ، قَالَ: وَإِنَّمَا كَرِهَ عَبْدُ اللهِ التَّثْوِيبَ الذِي أَحْدَثَهُ النَّاسُ بَعْدُ".
وَاللهُ أَعْلَمُ.