عدد الزوار 362 التاريخ 01/01/2021
فأجاب: تُشْرَعُ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ بِدِلَالَةِ الكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَالآثَارِ، وَالإِجْمَاعِ، قَالَ تَعَالَى: (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ)، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ، فَيَقْرَأُ السَّجْدَةَ، فَيَسْجُدُ، وَنَسْجُدُ مَعَهُ، حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا مَكَانًا لِمَوْضِعِ جَبْهَتِهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ: «فِي غَيْرِ صَلَاةٍ».
وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ فِي الصَّلَاةِ يُكَبَّرُ مَعَ الهُوِيِّ لَهَا، وَيُكَبَّرُ لِلْقِيَامِ مِنْهَا، وَهَذَا وَاجِبٌ، لِمَا رَوَى البُخَارِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: "رَأَيْتُ رَجُلًا عِنْدَ الْمَقَامِ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ، وَإِذَا قَامَ وَإِذَا وَضَعَ، فَأَخْبَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَقَالَ: أَوَلَيْسَ تِلْكَ صَلَاةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَا أُمَّ لَكَ؟!".
أَمَّا خَارِجَ الصَّلَاةِ؛ فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ يُشْرَعُ لَهَا تَكْبِيرَةُ الهُوِيِّ لِلسُّجُودِ، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ عَلَيْنَا الْقُرْآنَ، فَإِذَا مَرَّ بِالسَّجْدَةِ، كَبَّرَ، وَسَجَدَ، وَسَجَدْنَا». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ اللهِ العُمَرِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَأَخْرَجَهُ الحَاكِمُ، وَوَقَعَ عِنْدَهُ عُبَيْدُ اللهِ العُمَرِيُّ الثِّقَةُ، وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ.
وَلَا يُشْرَعُ لَهَا عَلَى القَوْلِ الرَّاجِحِ: قِيَامٌ مِنْ قُعُودٍ، وَلَا تَكْبِيرَةُ افْتِتَاحٍ، وَلَا تَكْبِيرَةُ رَفْعٍ مِنَ السُّجُودِ، وَلَا رَفْعُ يَدَيْنِ، وَلَا تَشَهُّدٌ، وَلَا تَسْلِيمٌ.
وَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا عَلَى الرَّاجِحِ: سَتْرُ عَوْرَةٍ، وَلَا خِمَارٌ، وَلَا رَفْعُ حَدَثٍ، وَلَا اسْتِقْبَالُ الكَعْبَةِ، وَلَا طَهَارَةُ ثِيَابٍ، وَلَا بُقْعَةٍ، وَالسُّتْرَةُ وَالطَّهَارَةُ وَالاسْتِقْبَالُ أَفْضَلُ.
وَلَا مَانِعَ مِنَ السُّجُودِ فِي وَقْتِ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ صَلَاةً.
وَالرَّاكِبُ يَسْجُدُ إِيمَاءً وَلَا تُقْضَى؛ فَالرَّاجِحُ أَنَّهَا سُنَّةٌ لَا يُعَاقَبُ تَارِكُهَا عَمْدًا.
وَالذِّكْرُ المَشْرُوعُ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ التَّسْبِيحُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ).
قَالَ الإِمَامُ أَبُو دَاوُدَ - رَحِمَهُ اللهُ -: "سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ سُئِلَ عَمَّا يَقُولُ الرَّجُلُ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: "أَمَّا أَنَا، فَأَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى". انتهى.
كَمَا يُشْرَعُ الذِّكْرُ الوَارِدُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا – الثابتِ، قالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ: "سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَفِي مُسْتَدْرَكِ الحَاكِمِ زِيَادَةُ: "فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ". وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْتُنِي اللَّيْلَةَ وَأَنَا نَائِمٌ، كَأَنِّي كُنْتُ أُصَلِّي خَلْفَ شَجَرَةٍ، فَسَجَدْتُ فَسَجَدَتِ الشَّجَرَةُ لِسُجُودِي، وَسَمِعْتُهَا وَهِيَ تَقُولُ: "اللَّهُمَّ اكْتُبْ لِي بِهَا عِنْدَكَ أَجْرًا، وَضَعْ عَنِّي بِهَا وِزْرًا، وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذُخْرًا، وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ دَاوُدَ"، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَرَأَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجْدَةً ثُمَّ سَجَدَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ مِثْلَ مَا أَخْبَرَهُ الرَّجُلُ عَنْ قَوْلِ الشَّجَرَةِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَدْ حُسِّنَ.