حكم الشفاعة عند ولي الدم بطلب العفو أو قبول الدية بدلاً من القصاص
عدد الزوار
273
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
الفتوى رقم(14591)
يطيب لي أن أتقدم لكم بخالص الدعاء ووافر العرفان على ما تقومون به من عمل وجهد في سبيل خدمة الإسلام والمسلمين، سماحة الشيخ أحببت أن أتقدم لكم بهذا السؤال لما لكم من مكانة عند المسلمين، ولما لفتواكم من قبول لدى المتحرين للحق، وإنه حصل حادث قتل عندنا في قطر بين أولاد في المدرسة بعد شجار حصل بينهم، حيث قام أصغرهم بضرب الأكبر بسكين طعنه طعنتين أودت بحياته في الحال، وحيث إن هذه مسألة سعى أهل الخير والصلاح في حلها والشفاعة من أجل أن يعفو ولي الدم، حيث إن القاتل يبلغ من العمر ستة عشر عاما، وفي محاولتنا لجمع بعض الوجهاء للشفاعة عارضنا واحد نعده أعلم منا وهو من الوجهاء، وله أثر كبير، ولكنه نهانا عن الشفاعة، ويزعم أنها شفاعة في حد من حدود الله، وأن الشفاعة في القتل لا تجوز، ونحن حسب علمنا أن الشفاعة في القتل من أعمال البر، وأن العفو أفضل من طلب القصاص؛ لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[البقرة: 178] وقال تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾[المائدة: 45] وقال تعالى: ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾[البقرة: 237] وقال تعالى: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾[الشورى: 40] وقال تعالى: ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾[آل عمران: 134] وجاء في السنة من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - ، قوله: «ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفع إليه شيء فيه قصاص إلا أمر فيه بالعفو» ، وعن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما من رجل يصاب بشيء في جسده فيتصدق به إلا رفعه الله به درجة وحط عنه خطيئة» . وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما عفا رجل عن مظلمة إلا زاده الله عزا» ، وعن عبد الرحمن بن عوف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثلاث- والذي نفس محمد بيده إن كنت حالفا عليهن- لا ينقص مال من صدقة؛ فتصدقوا، ولا يعفو عبد عن مظلمة يبغي بها وجه الله عز وجل إلا زاده الله بها عزا يوم القيامة» الحديث. فهذه الأدلة تبين أن الإسلام حث على العفو وأمر به وأجزل للعافي المثوبة والعطاء في الدنيا والآخرة، وحسب علمنا أن الشفاعة مرغب فيها شرعا لقوله - صلى الله عليه وسلم - : «اشفعوا تؤجروا» أو كما قال. وبالطبع يكون ذلك من الأمور المسموح بها شرعا.
وبما أن فتواكم لها قبول عندنا فإننا نطلب من الله ثم من سماحتكم أن تكتبوا لنا فتوى حول جواز الشفاعة في القتل وتنازل ولي الدم عن القصاص والصلح على مال أو العفو، ومدى جواز ذلك وأفضليته، ونرجو أن يكون ذلك سريعا إن أمكن.
والله يحفظكم ويرعاكم وجميع أهل العلم والفضل.
الإجابة :
الشفاعة عند ولي الدم بطلب العفو أو قبول الدية بدلاً من القصاص جائزة؛ لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ﴾[البقرة: 178] أي: إذا ترك ولي الدم القصاص وعفا فله أخذ الدية، وعليه المطالبة بها بمعروف، وعلى القاتل تسليمها بدون مماطلة، وقوله جل شأنه في سورة الإسراء: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا﴾[الإسراء: 33] أي: تسليطا، إن شاء قتل، وإن شاء عفا، وإن شاء أخذ الدية، وفي (سنن الترمذي) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في عام الفتح: «من قتل له قتيل بعد اليوم فأهله بين خيرتين: إما أن يقتلوا أو يأخذوا العقل» أي: الدية، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
المصدر :
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(21/218- 221)
عبد الله بن غديان ... عضو
عبد الرزاق عفيفي ... نائب الرئيس
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الرئيس