عدد الزوار 315 التاريخ Thursday, May 11, 2023 1:16 AM
فَأَجَابَ: الحَدِيثُ لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى ضَعْفِ أَسَانِيدِهِ وَاحْتِمَالِ نَكَارَةِ مَتْنِهِ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي ثُبُوتِهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَمَعْنَاهُ: أَحْيِنِي مِسْكِينَ القَلْبِ، وَمَسْكَنَةُ القَلْبِ انْكِسَارَهُ للهِ، فَمَعْنَاهُ: أَحْيِنِي مُتَذَلِّلًا خَاضِعًا خَاشِعًا لَكَ يَا اللهُ، وَتَوَفَّنِي عَلَى ذَلِكَ.
وَالحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ الكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ العَابِدُ الكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الحَارِثُ بْنُ النُّعْمَانِ اللَّيْثِيُّ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا، وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ المَسَاكِينِ يَوْمَ القِيَامَةِ»، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا، يَا عَائِشَةُ، لَا تَرُدِّي المِسْكِينَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، يَا عَائِشَةُ، أَحِبِّي المَسَاكِينَ وَقَرِّبِيهِمْ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يُقَرِّبُكِ يَوْمَ القِيَامَةِ». وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: «هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ».
وَضَعَّفَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَابْنُ حَجَرٍ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الجَوْزِيِّ فِي المَوْضُوعَاتِ، وَقَالَ ابْنُ القَيِّمِ: "لَا يُحْتَجُّ بِإِسْنَادِهِ؛ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ الكُوفِيِّ عَنِ الحَارِثِ بْنِ النُّعْمَانِ، وَالحَارِثُ هَذَا لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ أَصْحَابُ الصَّحِيحِ؛ بَلْ قَالَ فِيهِ البُخَارِيُّ: مُنْكَرُ الحَدِيثِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُصَحِّحِ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَهُ هَذَا، وَلَا حَسَّنَهُ، وَلَا سَكَتَ عَنْهُ؛ بَلْ حَكَمَ بِغَرَابَتِهِ".
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَا: ثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي المُبَارَكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: أَحِبُّوا المَسَاكِينَ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: (اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا، وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ المَسَاكِينِ).
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: "فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ... فَإِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ إِسْنَادِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ يَزِيدَ بْنَ سِنَانٍ أَبَا فَرْوَةَ الرُّهَاوِيَّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ... ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، قُلْتُ: وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ، وَفِي مَتْنِهِ نَكَارَةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ".
وَقَالَ البُوصِيرِيُّ: هَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ، أَبُو الْمُبَارَكِ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، وَيَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ التَّمِيمِيُّ أَبُو فَرْوَةَ ضَعِيفٌ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ بِهِ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ.
قُلْتُ: رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُسْنَدِهِ هَكَذَا، وَرَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي مُسْنَدِهِ، ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي المَوْضُوعَاتِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرَ.
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى عَن الْحَاكِمِ بِهِ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. انْتَهَى.
وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا، وَتَوَّفَنِي مِسْكِينًا، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ». قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَفِيهِ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَقَدْ وُثِّقَ عَلَى ضَعْفِهِ، وَشَيْخُ الطَّبَرَانِيِّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ الْأَوْزَاعِيُّ لَمْ أَعْرِفْهُمَا، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ".
وَقَالَ العَجْلُونِيُّ: "رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ .. وَمَعَ وُجُودِ هَذِهِ الطَّرِيقِ لَا يَحْسُنُ الحُكْمُ عَلَيْهِ بِالوَضْعِ".
قَالَ السُّيُوطِيُّ: اللَّهُمَّ احْيِنِي مِسْكِينًا ... إلخ، هَذَا أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي انْتَقَدَهَا الْحَافِظُ سِرَاجُ الدِّينِ الْقزْوِينِيُّ عَلَى المَصَابِيحِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ، وَقَالَ الْحَافِظُ صَلَاحُ الدِّينِ العَلَائِيُّ فِي أَجْوِبَتِهِ: هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفُ السَّنَدِ، لَكِنْ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْوَضْعِ، وَأَبُو الْمُبَارَكِ وَإِنْ قَالَ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ: مَجْهُولٌ، فَقَدْ عَرَّفَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَذَكَرَهُ فِي الثِّقَاتِ، وَيَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ هُوَ قُرَّةُ الرُّهَاوِيُّ، قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ البُخَارِيُّ: مُقَارِبُ الحَدِيثِ، إِلَّا أَنَّ ابْنَهُ مُحَمَّدَ بْنَ زَيْدٍ يَرْوِي عَنْهُ مَنَاكِيرَ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَحَلُّهُ الصِّدْقُ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، وَبَاقِي رُوَاتِهِ مَشْهُورُونَ، وَذَكَرَ العَلَائِيُّ فِي كِتَابِ بَسْطِ الوَرَقَاتِ أَنَّهُ يَنْتَهِي مَجْمُوعُ طُرُقِهِ إِلَى دَرَجَةِ الصِّحَّةِ، وَقَدْ أَوْرَدَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَيْضًا فِي المَوْضُوعَاتِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الرَّافِعِيِّ: أَسَاءَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي ذَلِكَ، وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَصَحَّحَهُ وَأَقَرَّهُ الذَّهَبِيُّ فِي تَلْخِيصِهِ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ تِلْكَ الطَّرِيقِ، وَلَهُ شَوَاهِدُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَمِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَصَحَّحَهُ أَيْضًا الْمَقْدِسِيُّ فِي المُخْتَارَةِ، وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَخْرَجَهُ الشِّيرَازِيُّ فِي الأَلْقَابِ، وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الرَّافِعِيِّ: أَوْرَدَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ هَذَا الحَدِيثَ فِي المَوْضُوعَاتِ، وَكَأَنَّهُ أَقَدْمَ عَلَيْهِ، وَلَمَّا رَآهُ مُبَائِنًا لِلْحَالِ الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ كَانَ مَكْفِيًّا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَجْهُهُ عِنْدِي أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ حَالَ المْسَكَنَةِ الَّتِي يَرْجِعُ مَعْنَاهَا إِلَى الْقِلَّةِ، وَإِنَّمَا سَأَلَ المَسْكَنَةَ الَّتِي يَرْجِعُ مَعْنَاهَا إِلَى الإِخْبَاتِ وَالتَّوَاضُعِ. انْتَهَى. وَاللهُ أَعْلَمُ.