عدد الزوار 162 التاريخ Friday, March 3, 2023 10:34 AM
فأجاب: الإِسْنَادُ الحَسَنُ، أَوِ الحَدِيثُ الحَسَنُ لِذَاتِهِ، لَيْسَ لَهُ ضَابِطٌ حَسَنٌ يَتَّفِقُ العُلَمَاءُ عَلَيْهِ، وَمَحَلُّ الاتِّفَاقِ تَقْرِيبًا هُوَ أَنَّ الحَدِيثَ الحَسَنَ مَا ارْتَفَعَ عَنْ دَرَجَةِ الضَّعِيفِ الَّذِي لَا يُعْمَلُ بِهِ، وَلَمْ يَصِلْ دَرَجَةَ الصَّحِيحِ.
قَالَ الذَّهَبِيُّ: "وَفِي تَحْرِيرِ مَعْنَاهُ اضْطِرَابٌ ... ثُمَّ لَا تَطمَعُ بِأَنَّ لِلْحَسَنِ قَاعِدَةً تَنْدَرِجُ كُلُّ الأَحَادِيثِ الحِسَانِ فِيهَا، فَأَنَا عَلَى إِيَاسٍ مِنْ ذَلِكَ! فَكَمْ مِنْ حَدِيثٍ تَرَدَّدَ فِيهِ الحُفَّاظُ: هَلْ هُوَ حَسَنٌ؟ أَوْ ضَعِيفٌ؟ أَوْ صَحِيحٌ؟ بَلِ الحَافِظُ الوَاحِدُ يَتَغَيَّرُ اجْتِهَادُهُ فِي الحَدِيثِ الوَاحِدِ: فَيَوْمًا يَصِفُهُ بِالصِّحَّةِ، وَيَوْمًا يَصِفُهُ بِالحُسْنِ، وَلَرُبَّمَا اسْتَضْعَفَهُ! وَهَذَا حَقٌّ، فَإِنَّ الحَدِيثَ الحَسَنَ يَسْتَضْعِفُهُ الحَافِظُ عَنْ أَنْ يُرَقِّيَهُ إِلَى رُتْبَةِ الصَّحِيحِ، فَبِهَذَا الاعْتِبَارِ فِيهِ ضَعْفٌ مَّا، إِذِ الحَسَنُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ ضَعْفٍ مَّا، وَلَوِ انْفَكَّ عَنْ ذَلِكَ، لَصَحَّ بِاتِّفَاقٍ". انْتَهَى.
وَأَحْسَنُ حَدٍّ لِلْحَسَنِ لِذَاتِهِ قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: "وَخَبَرُ الْآحَادِ بِنَقْلِ عَدْلٍ تَامِّ الضَّبْطِ، مُتَّصِلِ السَّنَدِ، غَيْرِ مُعَلَّلٍ وَلَا شَاذٍّ: هُوَ الصَّحِيحُ لِذَاتِهِ، فَإِنْ خَفَّ الضَّبْطُ فَالْحَسَنُ لِذَاتِهِ، وَبِكَثْرَةِ طُرُقِهِ يُصَحَّحُ".
وَأَوْضَحَ الفَرْقَ بَيْنَ ضَابِطِ الحَسَنِ لِذَاتِهِ وَالحَسَنِ لِغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ: "فَإِنْ خَفَّ الضَّبْطُ فَالْحَسَنُ لِذَاتِهِ، لَا لِشَيْءٍ خَارِجٍ، وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ حُسْنُهُ بِسَبَبِ الاعْتِضَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ المَسْتُورِ إِذَا تَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ".
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: "حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ".
فَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ مِنَ الْمَشْهُورِينَ بِالصِّدْقِ وَالصِّيَانَةِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْإِتْقَانِ، حَتَّى ضَعَّفَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ جِهَةِ سُوءِ حِفْظِهِ، وَوَثَّقَهُ بَعْضُهُمْ لِصِدْقِهِ وَجَلَالَتِهِ، فَحَدِيثُهُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ حَسَنٌ".
وَقَالَ الهَيْثَمِيُّ: عَنْ أَنَسٍ: «عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "إِنَّ لِلَّهِ سَيَّارَةً مِنَ الْمَلَائِكَةِ، يَطْلُبُونَ حِلَقَ الذِّكْرِ، فَإِذَا أَتَوْا عَلَيْهِمْ وَحَفُّوا بِهِمْ، ثُمَّ بَعَثُوا رَائِدَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ إِلَى رَبِّ الْعِزَّةِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا، أَتَيْنَا عَلَى عِبَادٍ مِنْ عِبَادِكَ يُعَظِّمُونَ آلَاءَكَ، وَيَتْلُونَ كِتَابَكَ، وَيُصَلُّونَ عَلَى نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَسْأَلُونَكَ لِآخِرَتِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، فَيَقُولُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -: غَشُّوهُمْ رَحْمَتِي، فَيَقُولُونَ: يَا رَبِّ، إِنَّ فِيهِمْ فُلَانًا الْخَطَّاءَ إِنَّمَا اعْتَنَقَهُمُ اعْتِنَاقًا! فَيَقُولُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -: غَشُّوهُمْ رَحْمَتِي؛ فَهُمُ الْجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ"». رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ زَائِدَةَ بْنِ أَبِي الرُّقَادِ، عَنْ زِيَادٍ النُّمَيْرِيِّ، وَكِلَاهُمَا وُثِّقَ عَلَى ضَعْفِهِ، فَعَادَ هَذَا إِسْنَادُهُ حَسَنٌ. انْتَهَى.
وَزَائِدَةُ ابْنُ أَبِي الرُّقَادِ مُنْكَرُ الحَدِيثِ، وَزِيَادٌ النُّمَيْرِيُّ ضَعِيفٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ فِي زَائِدَةَ ابْنِ أَبِي الرُّقَادِ: "يُحَدِّثُ عَنْ زِيَادٍ النُّمَيْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَحَادِيثَ مَرْفُوعَةً مُنْكَرَةً، وَلَا نَدْرِي مِنْهُ أَوْ مِنْ زِيَادٍ، وَلَا أَعْلَمُ رَوَى عَنْ غَيْرِ زِيَادٍ فَكُنَّا نَعْتَبِرُ بِحَدِيثِهِ". وَاللهُ أَعْلَمُ.