عدد الزوار 170 التاريخ Monday, October 31, 2022 4:30 PM
فأجاب: إِنْ كَانَتْ عَادَتُهُ أَنَّهُ يُهْدِيكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُقْرِضَهُ جَازَ لَكَ قَبُولُهَا، وَالمَشْرُوعُ أَنْ تُكَافِئَهُ عَلَيْهَا.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَادَةٌ، وَلَكِنْ لَهَا مُنَاسَبَةٌ، وَلَيْسَ الغَرَضُ مِنْهَا أَنْ تَصْبِرَ عَلَيْهِ أَوْ تُسْقِطَ عَنْهُ شَيْئًا مِمَّا فِي ذِمَّتِهِ، جَازَ أَنْ تَقْبَلَهَا، وَالأَوْلَى أَنْ تُكَافِئَهُ بِهَدِيَّةٍ نَحْوِهَا، أَوْ تُسْقِطَ عَنْهُ مِنَ القَرْضِ قِيمَتَهَا.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَادَةٌ وَلَا مُنَاسَبَةٌ، وَلَكِنَّ الغَرَضَ أَنْ تَصْبِرَ عَلَيْهِ أَوْ تُسْقِطَ عَنْهُ؛ فَلَا يَجُوزُ قَبُولُهَا، إِلَّا أَنْ تُجَازِيَهُ عَنْهَا بِإِسْقَاطِ قِيمَتِهَا، أَوْ تُكَافِئَهُ بِمِثْلِهَا أَوْ أَكْثَرَ.
وَالقَاعِدَةُ المَشْهُورَةُ هِيَ: (كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا فَهُوَ رِبَا)، وَرُوِيَ مَرْفُوعًا وَلَا يَصِحُّ، وَلَا يَصِحُّ لَفْظُهُ الآخَرُ: (نَهَى عَنْ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً).
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: رَوَى ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ «يَحْيَى بْنِ إِسْحَاقَ الْهُنَائِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: الرَّجُلُ مِنَّا يُقْرِضُ أَخَاهُ الْمَالَ فَيُهْدِي إلَيْهِ؟ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ قَرْضًا فَأَهْدَى إلَيْهِ أَوْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ فَلَا يَرْكَبْهَا وَلَا يَقْبَلْهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ» ... حَدِيثٌ حَسَنٌ ... وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ فَقَالَ لِي: إنَّك بِأَرْضٍ الرِّبَا فِيهَا فَاشٍ، فَإِذَا كَانَ لَك عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَأَهْدَى إلَيْك حِمْلَ تِبْنٍ أَوْ حِمْلَ شَعِيرٍ أَوْ حِمْلَ قَتٍّ؛ فَلَا تَأْخُذْهُ فَإِنَّهُ رِبًا.
وَرَوَى سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَجَاءَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إنِّي أَقْرَضْت رَجُلًا بِغَيْرِ مَعْرِفَةٍ فَأَهْدَى إلَيَّ هَدِيَّةً جَزْلَةً، قَالَ: رُدَّ إلَيْهِ هَدِيَّتَهُ أَوْ احْبِسْهَا لَهُ.
وَعَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: إنِّي أَقْرَضْتُ رَجُلًا يَبِيعُ السَّمَكَ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، فَأَهْدَى إلَيَّ سَمَكَةً قَوَّمْتُهَا بِثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، فَقَالَ: خُذْ مِنْهُ سَبْعَةَ دَرَاهِمَ. رَوَاهُمَا سَعِيدٌ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إذَا أَسْلَفْتَ رَجُلًا سَلَفًا فَلَا تَأْخُذْ مِنْهُ هَدِيَّةً وَلَا عَارِيَّةَ رُكُوبِ دَابَّةٍ. رَوَاهُ حَرْبٌ الْكَرْمَانِيُّ.
فَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ الْمُقْرِضَ عَنْ قَبُولِ هَدِيَّةِ الْمُقْتَرِضِ قَبْلَ الْوَفَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْهَدِيَّةِ أَنْ يُؤَخِّرَ الِاقْتِضَاءَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَشْرِطْ ذَلِكَ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ، فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَأْخُذَ الْأَلْفَ بِهَدِيَّةٍ نَاجِزَةٍ وَأَلْفٍ مُؤَخَّرَةٍ، وَهَذَا رِبًا.
وَلِهَذَا جَازَ أَنْ يَزِيدَ عِنْدَ الْوَفَاءِ وَيُهْدِيَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِزَوَالِ مَعْنَى الرِّبَا.
وَمَنْ لَمْ يَنْظُرْ إلَى الْمَقَاصِدِ فِي الْعُقُودِ أَجَازَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَخَالَفَ بِذَلِكَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا أَمْرٌ بَيِّنٌ. انْتَهَى.
وَجَاءَ فِي المَوْسُوعَةِ الكُوَيْتِيَّةِ مَا يَلِي:
اخْتُلِفَ فِي حُكْمِ هَدِيَّةِ الْمُقْتَرِضِ لِلْمُقْرِضِ قَبْل الْوَفَاءِ بِالْقَرْضِ عَلَى أَقْوَالٍ:
(أَحَدُهَا): لِلْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهَدِيَّةِ مَنْ عَلَيْهِ الْقَرْضُ لِمُقْرِضِهِ، لَكِنَّ الأَفْضَل أَنْ يَتَوَرَّعَ الْمُقْرِضُ عَنْ قَبُول هَدِيَّتِهِ، إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ إِنَّمَا يُعْطِيهِ لِأَجْلِ الْقَرْضِ، أَمَّا إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُعْطِيهِ لَا لِأَجْلِ الْقَرْضِ، بَل لِقَرَابَةٍ أَوْ صَدَاقَةٍ بَيْنَهُمَا؛ فَلَا يَتَوَرَّعُ عَنِ الْقَبُول، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُسْتَقْرِضُ مَعْرُوفًا بِالْجُودِ وَالسَّخَاءِ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَالْحَالَةُ حَالَةُ الإِشْكَالِ، فَيَتَوَرَّعُ عَنْهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَهْدَى لَا لِأَجْلِ الدَّيْنِ.
(وَالثَّانِي): لِلْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُقْتَرِضِ أَنْ يُهْدِيَ الدَّائِنَ رَجَاءَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ بِدَيْنِهِ، وَيَحْرُمُ عَلَى الدَّائِنِ قَبُولُهَا إِذَا عَلِمَ أَنَّ غَرَضَ الْمَدِينِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى التَّأْخِيرِ مُقَابِلَ الزِّيَادَةِ، ثُمَّ إِنْ كَانَتِ الْهَدِيَّةُ قَائِمَةً وَجَبَ رَدُّهَا، وَإِنْ فَاتَتْ بِمُفَوِّتٍ وَجَبَ رَدُّ مِثْلِهَا إِنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً، وَقِيمَتِهَا يَوْمَ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ إِنْ كَانَتْ قِيَمِيَّةً، أَمَّا إِذَا لَمْ يَقْصِدِ الْمَدِينُ ذَلِكَ وَصَحَّتْ نِيَّتُهُ، فَلَهُ أَنْ يُهْدِيَ دَائِنَهُ.
قَال ابْنُ رُشْدٍ: لَكِنْ يُكْرَهُ لِذِي الدَّيْنِ أَنْ يَقْبَل ذَلِكَ مِنْهُ وَإِنْ تَحَقَّقَ صِحَّةَ نِيَّتِهِ فِي ذَلِكَ، إِذَا كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ، لِئَلَّا يَكُونَ ذَرِيعَةً لِاسْتِجَازَةِ ذَلِكَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ.
ثُمَّ أَوْضَحَ الْمَالِكِيَّةُ ضَابِطَ الْجَوَازِ حَيْثُ صَحَّتِ النِّيَّةُ وَانْتَفَى الْقَصْدُ الْمَحْظُورُ، فَقَالُوا: إِنَّ هَدِيَّةَ الْمِدْيَانِ حَرَامٌ، إِلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ مِثْلُ الْهَدِيَّةِ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْمُدَايَنَةِ، وَعُلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ لِأَجْلِ الدَّيْنِ، فَإِنَّهَا لَا تَحْرُمُ حِينَئِذٍ حَالَةَ الْمُدَايَنَةِ، وَإِلَّا أَنْ يَحْدُثَ مُوجِبٌ لِلْهَدِيَّةِ بَعْدَ الْمُدَايَنَةِ، مِنْ صِهَارَةٍ أَوْ جِوَارٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا لاَ تَحْرُمُ أَيْضًا.
(وَالثَّالِثُ) لِلشَّافِعِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِلْمُقْرِضِ أَخْذُ هَدِيَّةِ الْمُسْتَقْرِضِ بِلَا شَرْطٍ وَلَوْ فِي الرِّبَوِيِّ، قَال الْمَاوَرْدِيُّ: وَالتَّنَزُّهُ عَنْهُ أَوْلَى قَبْل رَدِّ الْبَدَلِ.
(وَالرَّابِعُ) لِلْحَنَابِلَةِ: وَهُوَ أَنَّ الْمُقْتَرِضَ إِذَا أَهْدَى لِمُقْرِضِهِ هَدِيَّةً قَبْل الْوَفَاءِ، وَلَمْ يَنْوِ الْمُقْرِضُ احْتِسَابَهَا مِنْ دَيْنِهِ، أَوْ مُكَافَأَتَهُ عَلَيْهَا لَمْ يَجُزْ، إِلاَّ إِذَا جَرَتْ عَادَةٌ بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ قَبْلَ الْقَرْضِ، فَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً بِهِ جَازَ، أَمَّا إِذَا أَهْدَاهُ بَعْدَ الْوَفَاءِ - بِلَا شَرْطٍ وَلاَ مُوَاطَأَةٍ - فَهُوَ جَائِزٌ فِي الأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ تِلْكَ الزِّيَادَةَ عِوَضًا فِي الْقَرْضِ وَلَا وَسِيلَةً إِلَيْهِ، وَلَا إِلَى اسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قَرْضٌ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ: بِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ قَرْضًا، فَأَهْدَى إِلَيْهِ أَوْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ، فَلَا يَرْكَبْهَا وَلَا يَقْبَلْهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْل ذَلِكَ. أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَذَكَرَ البُوصِيرِيُّ فِي "مِصْبَاحِ الزُّجَاجَةِ": أَنَّ فِي إِسْنَادِهِ ضَعِيفًا وَمَجْهُولًا ... قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: وَكُلُّ ذَلِكَ سَدًّا لِذَرِيعَةِ أَخْذِ الزِّيَادَةِ فِي الْقَرْضِ الَّذِي مُوجِبُهُ رَدُّ الْمِثْلِ.
وَعَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ بِجَوَازِ الْهَدِيَّةِ غَيْرِ الْمَشْرُوطَةِ مِنَ الْمُقْتَرِضِ إِلَى الْمُقْرِضِ. انْتَهَى.