عدد الزوار 213 التاريخ Tuesday, March 29, 2022 4:06 PM
(382)
مَا دَرَجَةُ هَذَا الحَدِيثِ؟
سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ – حَفِظَهُ اللهُ -: مَا دَرَجَةُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ... الحَدِيثِ"؟
فأجاب: الحَدِيثُ ثَابِتٌ، رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى، قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا، وقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا - أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ».
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ هَذَا الحَدِيثِ. وَرَوَى أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَذَكَرَ بَعْضَ هَذَا الحَدِيثِ. انتهى.
وَقَالَ الإِمَامُ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، ح وَحَدَّثَنَاهُ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، غَيْرَ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي أُسَامَةَ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ التَّيْسِيرِ عَلَى الْمُعْسِرِ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الْأَغَرِّ أَبِي مُسْلِمٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ».
وَلِلْحَدِيثِ مَا يَشْهَدُ لَهُ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ فِي تَخْرِيجِهِ، مِنْهُمُ الْفَضْلُ الْهَرَوِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ، فَإِنَّ أَسْبَاطَ بْنَ مُحَمَّدٍ رَوَاهُ عَنِ الْأَعْمَشِ؛ قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْأَعْمَشَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي صَالِحٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ حَدَّثَهُ بِهِ عَنْهُ، وَرَجَّحَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ. انتهى.
وَالأَعْمَشُ مَوْصُوفٌ بِالتَّدْلِيسِ، فَتَجْدُرُ الإِشَارَةُ إِلَى بَعْضِ مَا يَنْبَغِي التَّعَرُّفُ عَلَيْهِ فِي عِلْمِ التَّدْلِيسِ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ:
١- يَنْبَغِي فَهْمُ مَرَاتِبِ المَوْصُوفِينَ بِالتَّدْلِيسِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهُمْ عَلَى خَمْسِ مَرَاتِبِ: الأُولَى: مَنْ لَمْ يُوصَفْ بِذَلِكَ إِلَّا نَادِرًا، كَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ. الثَّانِيَةُ: مَنْ احْتَمَلَ الأَئِمَّةُ تَدْلِيسَهُ، وَأَخْرَجُوا لَهُ فِي الصَّحِيحِ لِإِمَامَتِهِ وَقِلَّةِ تَدْلِيسِهِ فِي جَنْبِ مَا رَوَى، كَالثَّوْرِيِّ، أَوْ كَانَ لَا يُدَلِّسُ إِلَّا عَنْ ثِقَةٍ، كَابْنِ عُيَيْنَةَ. الثَّالِثَةُ: مَنْ أَكْثَرَ مِنَ التَّدْلِيسِ، فَلَمْ يَحْتَجَّ الأَئِمَّةُ مِنْ أَحَادِيثِهِمْ إِلَّا بِمَا صَرَّحُوا فِيهِ بِالسَّمَاعِ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَدَّ حَدِيثَهُمْ مُطْلَقًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَبِلَهُمْ كَأَبِي الزُّبَيْرِ المَكِّيِّ. الرَّابِعَةُ: مَنِ اتُّفِقَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِشَيْءٍ مِنْ حَدِيثِهِمْ إِلَّا بِمَا صَرَّحُوا فِيهِ بِالسَّمَاعِ لِكَثْرَةِ تَدْلِيسِهِمْ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَالمَجَاهِيلِ، كَبَقِيَّةَ بْنِ الوَلِيدِ. الخَامِسَةُ: مَنْ ضُعِّفَ بِأَمْرٍ آخَرَ سِوَى التَّدْلِيسِ، فَحَدِيثُهُمْ مَرْدُودٌ، وَلَوْ صَرَّحُوا بِالسَّمَاعِ، إِلَّا أَنْ يُوَثَّقَ مَنْ كَانَ ضَعْفُهُ يَسِيرًا كَابْنِ لَهِيعَةَ.
٢- مَعْرِفَةُ أَسْمَاءِ المُدَلِّسِينَ وَطَبَقَاتِهِمْ.
٣- مَعْرِفَةُ مَعَانِي التَّدْلِيسِ وَصُوَرِهِ وَأَقْسَامِهِ، وَحُكْمِ كُلِّ قِسْمٍ وَصُورَةٍ، وَمَعْرِفَةُ مَنْهَجِ المُتَقَدِّمِينَ وَمَنْهَجِ المُتَأَخِّرِينَ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "فَصْلٌ: وَالتَّدْلِيسُ تَارَةً فِي الإِسْنَادِ، وَتَارَةً فِي الشُّيُوخِ، فَالَّذِي فِي الإِسْنَادِ أَنْ يَرْوِيَ عَنْ مَنْ لَقِيَهُ شَيْئًا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ بِصِيغَةِ مُحْتَمَلَةٍ، وَيَلْتَحِقُ بِهِ مَنْ رَآهُ وَلَمْ يُجَالِسْهُ، وَيَلْتَحِقُ بِتَدْلِيسِ الإِسْنَادِ تَدْلِيسُ القَطْعِ، وَهُوَ أَنْ يَحْذِفَ الصِّيغَةَ وَيَقْتَصِرَ عَلَى قَوْلِهِ مَثَلًا: الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ، وَتَدْلِيسُ العَطْفِ، وَهُوَ أَنْ يُصَرِّحَ بِالتَّحْدِيثِ فِي شَيْخٍ لَهُ، وَيَعْطِفَ عَلَيْهِ شَيْخًا آخَرَ لَهُ، وَلَا يَكُونُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ الثَّانِي، وَتَدْلِيسُ التَّسْوِيَةِ، وَهُوَ أَنْ يَصْنَعَ ذَلِكَ لِشَيْخِهِ، فَإِنْ أَطْلَعَهُ عَلَى أَنَّهُ دَلَّسَهُ حَكَمَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُطْلِعْهُ طَرَقَهُ الاحْتِمَالُ، فَيُقْبَلُ مِنَ الثِّقَةِ مَا صَرَّحَ فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ، وَيُتَوَقَّفُ عَمَّا عَدَاهُ، وَإِذَا رَوَى عَمَّنْ عَاصَرَهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ لُقِيُّهُ لَهُ، بِصِيغَةٍ مُحْتَمَلَةٍ: فَهُوَ الإِرْسَالُ الخَفِيُّ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَلْحَقَهُ بِالتَّدْلِيسِ، وَالأَوْلَى التَّفْرِقَةُ لِتَتَمَيَّزَ الأَنْوَاعُ، وَيَلْتَحِقُ بِالتَّدْلِيسِ مَا يَقَعُ مِنْ بَعْضِ المُحَدِّثِينَ مِنَ التَّعْبِيرِ بِالتَّحْدِيثِ أَوِ الأَخْبَارِ عَنِ الإِجَازَةِ مُوهِمًا لِلسَّمَاعِ، وَلَا يَكُونُ سَمِعَ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْخِ شَيْئًا، وَمَنْ لَمْ يُوصَفْ بِالتَّدْلِيسِ مِنَ الثِّقَاتِ إِذَا رَوَى عَنْ مَنْ لَقِيَهُ بِصِيغَةٍ مُحْتَمَلَةٍ حُمِلَتْ عَلَى السَّمَاعِ، وَإِذَا رَوَى عَنْ مَنْ عَاصَرَهُ بِالصِّيغَةِ المُحْتَمَلَةِ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى السَّمَاعِ فِي الصَّحِيحِ المُخْتَارِ وِفَاقًا لِلْبُخَارِيِّ وَشَيْخِهِ ابْنِ المَدِينِيِّ، وَمَنْ رَوَى بِالصِّيغَةِ المُحْتَمَلَةِ عَنْ مَنْ لَمْ يُعَاصِرْهُ فَهُوَ مُطْلِقٌ لِلْإِرْسَالِ، فَإِنْ كَانَ تَابِعِيًّا سُمِّيَ السَّنَدُ مُرْسَلًا، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ سُمِّيَ مُنْقَطِعًا أَوْ مُعْضَلًا. وَمِمَّنْ وُصِفَ بِالتَّدْلِيسِ مَنْ صَرَّحَ بِالتَّحَدُّثِ فِي الوِجَادَةِ أَوْ صَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ، لَكِنْ تَجَوَّزَ فِي صِيغَةِ الجَمْعِ فَأَوْهَمَ دُخُولَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَأَمَّا تَدْلِيسُ الشُّيُوخِ، فَهُوَ أَنْ يَصِفَ شَيْخَهُ بِمَا لَمْ يَشْتَهِرْ بِهِ مِنِ اسْمٍ أَوْ لَقَبٍ أَوْ كُنْيَةٍ أَوْ نِسْبَةٍ إِيهَامًا لِلتَّكْثِيرِ غَالِبًا، وَقَدْ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِضَعْفِ شَيْخِهِ، وَهُوَ خِيَانَةٌ مِمَّنْ تَعَمَّدَهُ، كَمَا إِذَا وَقَعَ ذَلِكَ فِي تَدْلِيسِ الإِسْنَادِ. وَاللهُ المُسْتَعَانُ".