عدد الزوار 167 التاريخ Tuesday, March 29, 2022 4:04 PM
(381)
مَا صِحَّةُ هَذَا الحَدِيثِ؟
سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ – حَفِظَهُ اللهُ -: مَا صِحَّةُ حَدِيثِ: "لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا ... الحَدِيثِ"؟.
فأجاب: الحَدِيثُ صَحِيحٌ، قَالَ الإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ يَعْنِي ابْنَ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، مَوْلَى عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا»، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ».
وَحَسْبُنَا إِخْرَاجُ مُسْلِمٍ لَهُ فِي صَحِيحِهِ، وَلَهُ شَوَاهِدُ صَحِيحَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَخَارِجِهِمَا، وَرَوَى الْحَدِيثَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، فَقَالَ فِيهِ: سَعِيدُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَوَهِمَ فِي قَوْلِهِ: "سَعِيدُ بْنُ يَسَارٍ" إِنَّمَا هُوَ: أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى ابْنِ كُرَيْزٍ، قَالَهُ أَحْمَدُ وَيَحْيَى وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَدْ رُوِيَ بَعْضُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ.
وَأَبُو سَعِيدٍ "لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ"، مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ الخُزَاعِيِّ، مَسْتُورُ الحَالِ، رَوَى عَنْ صَحَابِيٍّ، وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الثِّقَاتِ، وَلَمْ يَظْهَرْ فِي حَدِيثِهِ نَكَارَةٌ وَلَا رَكَاكَةٌ، وَقَدْ رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالحَسَنِ البَصْرِيِّ، وَعَنْهُ صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ، وَالعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ، وَدَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ الفَرَّاءُ، ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي "الثِّقَاتِ"، وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: هُوَ مَجْهُولٌ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "الْجَهَالَةُ: وَسَبَبُهَا أَنَّ الرَّاوِيَ قَدْ تَكْثُرُ نُعُوتُهُ [مِنِ اسْمٍ، أَوْ كُنْيَةٍ، أَوْ لَقَبٍ، أَوْ حِرْفَةٍ ... إلخ]، فَيُذْكَرُ بِغَيْرِ مَا اشْتُهِرَ بِهِ لِغَرَضٍ، وَصَنَّفُوا فِيهِ الْمُوَضِّحَ.
وَقَدْ يَكُونُ مُقِلًّا فَلَا يَكْثُرُ الأَخْذُ عَنْهُ، وَصَنَّفُوا فِيهِ الوِحْدَانَ [وَهُوَ مَنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا وَاحِدٌ] ، َوْلَا يُسَمَّى اخْتِصارًا، وَفِيهِ المُبْهَمَاتُ، وَلَا يُقْبَلُ المُبْهَمُ وَلَوْ أُبْهِمَ بِلَفْظِ التَّعْدِيلِ عَلَى الْأَصَّحِ.
فَإِنْ سُمِّيَ وَانْفَرَدَ وَاحِدٌ عَنْهُ فمَجْهُولُ الْعَيْنِ، أَوِ اثْنَانِ فَصَاعِدًا، وَلَمْ يُوَثَّقْ: فَمَجْهُولُ الحَالِ، وَهُوَ الْمَسْتُورُ".
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: "سَأَلْتُ أَبِي عَنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ عَنْ رَجُلٍ غَيْرِ ثِقَةٍ مِمَّا يُقَوِّيهِ؟ قَالَ: إِذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِالضَّعْفِ لَمْ تُقَوِّهِ رِوَايَتُهُ عَنْهُ، وَإِذَا كَانَ مَجْهُولًا نَفَعَهُ رِوَايَةُ الثِّقَةِ عَنْهُ".
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: "وَأَمَّا المَجْهُولُونَ مِنَ الرُّوَاةِ، فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ أَوْ أَوْسَطِهِمْ احْتُمِلَ حَدِيثُهُ، وَتُلُقِّيَ بِحُسْنِ الظَّنِّ، إِذَا سَلِمَ مِنْ مُخَالَفَةِ الأُصُولِ وَرَكَاكَةِ الأَلْفَاظِ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ فَيُتَأَنَّى فِي رِوَايَةِ خَبَرِهِ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ جَلَالَةِ الرَّاوِي عَنْهُ، وَتَحَرِّيهِ، وَعَدَمِ ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ المَجْهُولُ مِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ؛ فَهُوَ أَضْعَفُ لِخَبَرِهِ، سِيَّمَا إِذَا انْفَرَدَ بِهِ".
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: "مَالِكُ بْنُ الخَيْرِ الزِّبَادِيُّ، مِصْرِيٌّ مَحَلُّهُ الصِّدْقُ، يَرْوِي عَنْ أَبِي قَبِيلٍ، عَنْ عُبَادَةَ - مَرْفُوعًا: لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُبَجِّلْ كَبِيرَنَا. رَوَى عَنْهُ حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، وَهُوَ مِنْ طَبَقَتِهِ، وَابْنُ وَهْبٍ، وَزَيْدُ بْنُ الحُبَابِ، وَرَشْدِينُ.
قَالَ ابْنُ القَطَّانِ: هُوَ مِمَّنْ لَمْ تَثْبُتْ عَدَالَتُهُ - يُرِيدُ أَنَّهُ مَا نَصَّ أَحَدٌ عَلَى أَنَّهُ ثِقَةٌ.
وَفِي رُوَاةِ الصَّحِيحَيْنِ عَدَدٌ كَثِيرٌ، مَا عَلِمْنَا أَنَّ أَحَدًا نَصَّ عَلَى تَوْثِيقِهِمْ.
وَالجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ مِنَ المَشَايِخِ قَدْ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ وَلَمْ يَأْتِ بِمَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ: أَنَّ حَدِيثَهُ صَحِيحٌ".
وَقَالَ: "فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ هَذَا النَّمَطِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مَسْتُورُونَ، مَا ضَعَّفَهُمْ أَحَدٌ، وَلَا هُمْ بِمَجَاهِيلَ".
وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: "مَجْهُولُ العَدَالَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ عِنْدَ الجَمَاهِيرِ. وَمَنْ جُهِلَتْ عَدَالَتُهُ بَاطِنًا، وَلَكِنَّهُ عَدَلَ فِي الظَّاهِرِ، وَهُوَ المَسْتُورُ: فَقَدْ قَالَ بِقَبُولِهِ بَعْضُ الشَّافِعِيِّينَ، وَرَجَّحَ ذَلِكَ سُلَيْمُ بْنُ أَيُّوبَ الفَقِيهُ، وَوَافَقَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ. وَقَدْ حَرَّرْتُ البَحْثَ فِي ذَلِكَ فِي المُقَدِّمَاتِ. وَاللهُ أَعْلَمُ.
فَأَمَّا المُبْهَمُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ، أَوْ مَنْ سُمِّيَ وَلَا تُعْرَفُ عَيْنُهُ؛ فَهَذَا مِمَّنْ لَا يَقْبَلُ رِوَايَتَهُ أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ. وَلَكِنَّهُ إِذَا كَانَ فِي عَصْرِ التَّابِعِينَ وَالقُرُونِ المَشْهُودِ لَهُمْ بِالخَيْرِ، فَإِنَّهُ يُسْتَأْنَسُ بِرِوَايَتِهِ، وَيُسْتَضَاءُ بِهَا فِي مَوَاطِنَ. وَقَدْ وَقَعَ فِي مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنْ هَذَا القَبِيلِ كَثِيرٌ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الخَطِيبُ البَغْدَادِيُّ وَغَيْرُهُ: وَتَرْتَفِعُ الجَهَالَةُ عَنِ الرَّاوِي بِمَعْرِفَةِ العُلَمَاءِ لَهُ، أَوْ بِرِوَايَةِ عَدْلَيْنِ عَنْهُ.
قَالَ الخَطِيبُ: لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ العَدَالَةِ بِرِوَايَتِهِمَا عَنْهُ. وَعَلَى هَذَا النَّمَطِ مَشَى ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ: بِأَنْ حَكَمَ لَهُ بِالعَدَالَةِ بِمُجَرَّدِ هَذِهِ الحَالَةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
قَالُوا: فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ سِوَى وَاحِدٍ، مِثْلُ عَمْرِو ذِي مُرٍّ، وَجَبَّارٍ الطَّائِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ ذِي حُدَّانَ، تَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ، وَجُرَيِّ بْنِ كُلَيْبٍ، تَفَرَّدَ عَنْهُ قَتَادَةُ، قَالَ الخَطِيبُ: وَالهَزْهَازُ ابْنُ مَيْزَنٍ، تَفَرَّدَ عَنْهُ الشَّعْبِيُّ، قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَرَوَى عَنْهُ الثَّوْرِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ لِمِرْدَاسٍ الأَسْلَمِيِّ، وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ سِوَى قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، وَمُسْلِمٌ لِرَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ، وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ سِوَى أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. قَالَ: وَذَلِكَ مُصَيَّرٌ مِنْهُمَا إِلَى ارْتِفَاعِ الجَهَالَةِ بِرِوَايَةِ وَاحِدٍ. وَذَلِكَ مُتَّجِهٌ، كَالخِلَافِ فِي الاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ فِي التَّعْدِيلِ.
"قُلْتُ": تَوْجِيهٌ جَيِّدٌ. لَكِنِ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ إِنَّمَا اكْتَفَيَا فِي ذَلِكَ بِرِوَايَةِ الوَاحِدِ فَقَطْ، لِأَنَّ هَذَيْنِ صَحَابِيَّانِ، وَجَهَالَةُ الصَّحَابِيِّ لَا تَضُرُّ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ. وَاللهُ أَعْلَمُ". انتهى.