عدد الزوار 116 التاريخ Monday, February 21, 2022 7:28 AM
(336)
المَرْأَةُ وَالإِمَارَةُ
سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ – حَفِظَهُ اللهُ -: هَلْ تَلِي المَرْأَةُ الإِمَارَةَ؟
فأجاب: لَا تَتَوَلَّى المَرْأَةُ الإِمَارَةَ عِنْدَ جُمْهُورِ العُلَمَاءِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ أَيَّامَ الجَمَلِ، لَمَّا بَلَغَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ فَارِسًا مَلَّكُوا ابْنَةَ كِسْرَى، قَالَ: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً». رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ: "النَّهْيُ عَنِ اسْتِعْمَالِ النِّسَاءِ فِي الحُكْمِ".
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "أَفْضَى الْأَمْرُ بِهِمْ إِلَى تَأْمِيرِ الْمَرْأَةِ، فَجَرَّ ذَلِكَ إِلَى ذَهَابِ مُلْكِهِمْ وَمُزِّقُوا، كَمَا دَعَا بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -". انْتَهَى.
وَلِعَمَلِ الأُمَّةِ مُنْذُ زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَعَمَلِ القُرُونِ المُفَضَّلَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْحَدِيثِ: إِنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَلِي الْإِمَارَةَ وَلَا الْقَضَاءَ، وَفِيهِ أَنَّهَا لَا تُزَوِّجُ نَفْسَهَا، وَلَا تَلِي الْعَقْدَ عَلَى غَيْرِهَا، كَذَا قَالَ، وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ، وَالْمَنْعُ مِنْ أَنْ تَلِيَ الْإِمَارَةَ وَالْقَضَاءَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَأَجَازَهُ الطَّبَرِيُّ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَلِي الْحُكْمَ فِيمَا تَجُوزُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ. انْتَهَى.
قَالَ القُرْطُبِيُّ تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي قِصَّةِ الهُدْهُدِ: (وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ).
قَالَ: رَوَى البُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا بِنْتَ كِسْرَى، قَالَ: "لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً"، قَالَ القَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ العَرَبِيِّ: هَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ المَرْأَةَ لَا تَكُونُ خَلِيفَةً، وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَنُقِلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ المَرْأَةُ قَاضِيَةً، وَلَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ عَنْهُ، وَلَعَلَّهُ نُقِلَ عَنْهُ كَمَا نُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، أَنَّهَا إِنَّمَا تَقْضِي فِيمَا تَشْهَدُ فِيهِ، وَلَيْسَ بِأَنْ تَكُونَ قَاضِيَةً عَلَى الإِطْلَاقِ، وَلَا بِأَنْ يُكْتَبَ لَهَا مَسْطُورٌ بِأَنَّ فُلَانَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الحُكْمِ، وَإِنَّمَا سَبِيلُ ذَلِكَ التَّحْكِيمُ وَالاسْتِنَابَةُ فِي القَضِيَّةِ الوَاحِدَةِ، وَهَذَا هُوَ الظَّنُّ بِأَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ جَرِيرٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَدَّمَ امْرَأَةً عَلَى حِسْبَةِ السُّوقِ. وَلَمْ يَصِحَّ، فَلَا تَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ، فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ دَسَائِسِ المُبْتَدِعَةِ فِي الأَحَادِيثِ.
وَقَدْ تَنَاظَرَ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ القَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ المَالِكِيُّ الأَشْعَرِيُّ مَعَ أَبِي الفَرَجِ بْنِ طَرَارٍ شَيْخِ الشَّافِعِيَّةِ، فَقَالَ أَبُو الفَرَجِ: الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ المَرْأَةَ يَجُوزُ أَنْ تَحْكُمَ أَنَّ الغَرَضَ مِنَ الأَحْكَامِ تَنْفِيذُ القَاضِي لَهَا، وَسَمَاعُ البَيِّنَةِ عَلَيْهَا، وَالفَصْلُ بَيْنَ الخُصُومِ فِيهَا، وَذَلِكَ مُمْكِنٌ مِنَ المَرْأَةِ كَإِمْكَانِهِ مِنَ الرَّجُلِ. فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَنَقَضَ كَلَامَهُ بِالإِمَامَةِ الكُبْرَى؛ فَإِنَّ الغَرَضَ مِنْهُ حِفْظُ الثُّغُورِ، وَتَدْبِيرُ الأُمُورِ، وَحِمَايَةُ البَيْضَةِ، وَقَبْضُ الخَرَاجِ، وَرَدُّهُ عَلَى مُسْتَحِقِّهِ، وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى مِنَ المَرْأَةِ كَتَأَتِّيهِ مِنَ الرَّجُلِ.
قَالَ ابْنُ العَرَبِيِّ: وَلَيْسَ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ بِشَيْءٍ؛ فَإِنَّ المَرْأَةَ لَا يَتَأَتَّى مِنْهَا أَنْ تَبْرُزَ إِلَى المَجْلِسِ، وَلَا تُخَالِطَ الرِّجَالَ، وَلَا تُفَاوِضَهُمْ مُفَاوَضَةَ النَّظِيرِ لِلنَّظِيرِ؛ لِأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ فَتَاةً حَرُمَ النَّظَرُ إِلَيْهَا وَكَلَامُهَا، وَإِنْ كَانَتْ بَرْزَةَ لَمْ يَجْمَعْهَا وَالرِّجَالُ مَجْلِسٌ وَاحِدٌ تَزْدَحِمُ فِيهِ مَعَهُمْ، وَتَكُونُ مُنَاظِرَةً لَهُمْ، وَلَنْ يُفْلِحَ قَطُّ مَنْ تَصَوَّرَ هَذَا، وَلَا مَنِ اعْتَقَدَهُ. انْتَهَى.