عدد الزوار 139 التاريخ Friday, October 29, 2021 5:02 AM
فأجاب: ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ البَائِعِ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: (نَهَى رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ سَلَفٍ، وَبَيْعٍ، وَعَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ، وَعَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ، وَعَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالطَّيَالِسِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
وَرَوَى الخَمْسَةُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ طَرِيقِ يُوسَفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، يَأْتِينِي الرَّجُلُ يَسْأَلُنِي البَيْعَ، لَيْسَ عِنْدِي مَا أَبِيعُهُ، ثُمَّ أَبِيعُهُ مِنَ السُّوقِ، فَقَالَ: لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ.
وَيُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، فَفِي سَنَدِهِ انْقِطَاعٌ.
وَاخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ البَائِعِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ بَيْعَ سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا فِي مِلْكِ شَخْصٍ آخَرَ، ثُمَّ السَّعْيَ فِي شِرَائِهَا لِتَسْلِيمِهَا لِلْمُشْتَرِي الأَوَّلِ لَا يَجُوزُ.
وَجُمْهُورُ الفُقَهَاءِ يَرَوْنَ أَنَّ الحَدِيثَ عَامٌّ فِي كُلِّ بَيْعٍ لِمَا لَيْسَ عِنْدَ الإِنْسَانِ، سَوَاءٌ كَانَ عَيْنًا، أَوْ فِي الذِّمَّةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: "أَمَّا حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَاهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ، عَنْ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ لَا يَمْلِكُهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا مَعْنَى حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ، حَدِيثُ أَبِي المِنْهَالِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ مَنْ أَسْلَفَ فِي تَمْرٍ سَنَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، أَنْ يُسْلِفَ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ. وَهَذَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَ المَرْءِ، وَلَكِنَّهُ بَيْعُ صِفَةٍ مَضْمُونَةٍ عَلَى بَائِعِهَا، وَإِذَا أَتَى بِهَا البَائِعُ لَزِمَتِ المُشْتَرِي، وَلَيْسَتْ بَيْعَ عَيْنٍ، بَيْعُ العَيْنِ إِذَا هَلَكَتْ قَبْلَ قَبْضِ المُبْتَاعِ انْتَقَضَ فِيهَا البَيْعُ، وَلَا يَكُونُ بَيْعُ العَيْنِ مَضْمُونًا عَلَى البَائِعِ، فَيَأْتِي بِمِثْلِهِ إِذَا هَلَكَتْ".
وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ العِيدِ: "قَوْلُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وَلَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ)، مِثَالُهُ: أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ مَتَاعًا لَا يَمْلِكُهُ، ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ مِنْ مَالِكِهِ، وَيَدْفَعَهُ إِلَيْهِ، وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ حَاضِرًا عِنْدَهُ، وَلَا غَائِبًا فِي مِلْكِهِ، وَتَحْتَ حَوْزَتِهِ، قَالَ العَلَّامَةُ البَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: هَذَا فِي بُيُوعِ الأَعْيَانِ، دُونَ بُيُوعِ الصِّفَاتِ، فَلِذَا قِيلَ: السَّلَمُ فِي شَيْءٍ مَوْصُوفٍ عَامِّ الوُجُودِ عِنْدَ المَحَلِّ المَشْرُوطِ يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ حَالَ العَقْدِ".
وَذَهَبَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ إِلَى أَنَّ الحَدِيثَ يَشْمَلُ النَّهْيَ عَنْ أَمْرَيْنِ:
الأَوَّلُ: النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ المُعَيَّنِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ.
الثَّانِي: يَشْمَلُ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ السَّلَمِ الحَالِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُوَفِّيهِ؛ لِأَنَّهُ سَيَكُونُ البَائِعُ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ وَقْتَ العَقْدِ جَازَ السَّلَمُ الحَالُّ. وَاللهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ القَيِّمِ: "قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ: لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ، يُحْمَلُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَبِيعَ عَيْنًا مُعَيَّنَةً، وَهِيَ لَيْسَتْ عِنْدَهُ، بَلْ مِلْكٌ لِلْغَيْرِ، فَيَبِيعُهَا، ثُمَّ يَسْعَى فِي تَحْصِيلِهَا، وَتَسْلِيمِهَا إِلَى المُشْتَرِي.
وَالثَّانِي: أَنْ يُرِيدَ بَيْعَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ، وَهَذَا أَشْبَهُ، فَلَيْسَ عِنْدَهُ حسًّا، وَلَا مَعْنًى، فَيَكُونُ قَدْ بَاعَهُ شَيْئًا لَا يَدْرِي هَلْ يَحْصُلُ لَهُ أَمْ لَا".