عدد الزوار 126 التاريخ Saturday, October 23, 2021 6:45 AM
فأجاب: الإِحْدَادُ فِي الشَّرْعِ: هُوَ أَنْ تَبْتَعِدَ المَرْأَةُ عَنْ كُلِّ مَا يَدْعُو إِلَى نِكَاحِهَا، وَالرَّغْبَةِ فِي جِمَاعِهَا لِلزِّينَةِ، مِنْ ثِيَابٍ وَحُلِيٍّ وَمِكْيَاجٍ وَأَدَوَاتِ تَجْمِيلٍ، وَأَنْ تَلْزَمَ بَيْتَهَا الَّذِي تُوُفِّيَ زَوْجُهَا وَهِيَ تَسْكُنُ فِيهِ.
فَالمُطَلَّقَةُ إِنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً فَلَا تُحِدُّ؛ بَلِ المُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَتَزَيَّنَ وَتَتَجَمَّلَ لِزَوْجِهَا أَمَلًا فِي الرَّجْعَةِ. وَكَذَلِكَ المُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا إِحْدَادَ عَلَيْهَا بِالطَّلَاقِ.
وَأَمَّا البَائِنُ، وَهِيَ مَنْ كَانَ فِرَاقُهَا بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، وَهَذِهِ بَيْنُونَةٌ كُبْرَى، أَوْ بِفَسْخٍ، أَوْ خُلْعٍ طَلَاقٍ عَلَى عِوَضٍ، وَهَذِهِ بَيْنُونَةٌ صُغْرَى، فَقَدِ اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي الإِحْدَادِ عَلَيْهَا عَلَى عِدَّةِ أَقْوَالٍ:
القولُ الأولُ: وُجُوبُ الإِحْدَادِ عَلَى المُعْتَدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ الحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيِّ فِي القَدِيمِ، وَرِوَايَةٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ بَعْضِ التَّابِعِينَ كَسَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَاسْتَدَلُّوا بِعُمُومِ أَدِلَّةِ وُجُوبِ الإِحْدَادِ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَبِشُمُولِ مَا نُهِيَتْ عَنْهُ المُعْتَدَّةُ مِنَ التَّزَيُّنِ وَالتَّجَمُّلِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، قَالَ: المُطَلَّقَةُ وَالمُخْتَلِعَةُ وَالمُتَوَفَّى عَنْهَا وَالمُلَاعَنَةُ لَا يَخْتَضِبْنَ، وَلَا يَتَطَيَّبْنَ، وَلَا يَلْبَسْنَ ثَوْبًا، وَلَا يَخْرُجْنَ مِنْ بُيُوتِهِنَّ.
وَلِأَنَّ فِرَاقَ المَبْتُوتَةِ يُشْبِهُ فِرَاقَ المُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا.
القَوْلُ الثَّانِي: عَدَمُ وُجُوبِ الإِحْدَادِ عَلَى المُعْتَدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ المَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيِّ فِي الجَدِيدِ، وَرِوَايَةٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَهِيَ المَذْهَبُ عِنْدَ الأَصْحَابِ. فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ جَائِزٌ وَرُخْصَةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَقَالَ ابْنُ المُنْذِرِ: «وَرَخَّصَ فِيهِ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَرَبِيعَةُ، وَمَالِكٌ». وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: «وَأَحَبُّ إِلَيَّ لِلْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا بَائِنًا لَا يَمْلِكُ زَوْجُهَا الرَّجْعَةَ: تُحِدُّ إِحْدَادَ المُتَوَفَّى عَنْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنَ الطَّلَاقِ».
وَالقَوْلُ بِعَدَمِ الوُجُوبِ هُوَ الرَّاجِحُ لِعَدَمِ وُجُودِ الدَّلِيلِ فِي حَقِّ المُطَلَّقَةِ البَائِنِ، وَلِوُجُودِهِ فِي حَقِّ مَنْ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ القَيِّمِ. وَاللهُ أَعْلَمُ.