عدد الزوار 147 التاريخ Saturday, October 23, 2021 6:36 AM
بِالمُحَرَّمَاتِ كُلِّهَا كَبِيرِهَا وَصَغِيرِهَا، وَالتَّصْوِيرُ مِنْ أَشَدِّ الكَبَائِرِ، فَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "إنَّ أشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ المُصَوِّرُونَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ -: "قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ: تَصْوِيرُ صُورَةِ الْحَيَوَانِ حَرَامٌ شَدِيدُ التَّحْرِيمِ، وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَعَّدٌ عَلَيْهِ بِهَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَحَادِيثِ، وَسَوَاءٌ صَنَعَهُ بِمَا يُمْتَهَنُ أَوْ بِغَيْرِهِ: فَصَنْعَتُهُ حَرَامٌ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُضَاهَاةً لِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَسَوَاءٌ مَا كَانَ فِي ثَوْبٍ أَوْ بِسَاطٍ أَوْ دِرْهَمٍ أَوْ دِينَارٍ أَوْ فَلْسٍ أَوْ إِنَاءٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ غَيْرِهَا.
وَأَمَّا تَصْوِيرُ صُورَةِ الشَّجَرِ وَرِحَالِ الْإِبِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ، فَلَيْسَ بِحِرَامٍ، هَذَا حُكْمُ نَفْسِ التَّصْوِيرِ.
وَأَمَّا اتِّخَاذُ المُصَوَّرِ فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ، فَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى حَائِطٍ، أَوْ ثَوْبًا مَلْبُوسًا، أَوْ عِمَامَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُعَدُّ مُمْتَهَنًا: فَهُوَ حَرَامٌ، وَإِنْ كَانَ فِي بِسَاطٍ يُدَاسُ، وَمِخَدَّةٍ وَوِسَادَةٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُمْتَهَنُ: فَلَيْسَ بِحَرَامٍ، وَلَكِنْ هَلْ يَمْنَعُ دُخُولَ مَلَائِكَةِ الرَّحْمَةِ ذَلِكَ البَيْتَ؟ فِيهِ كَلَامٌ نَذْكُرُهُ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا كُلِّهِ بَيْنَ مَا لَهُ ظِلٌّ وَمَا لَا ظِلَّ لَهُ. هَذَا تَلْخِيصُ مَذْهَبِنَا فِي الْمَسْأَلَةِ، وَبِمَعْنَاهُ قَالَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَهُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ.
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِنَّمَا يُنْهَى عَمَّا كَانَ لَهُ ظِلٌّ، وَلَا بَأْسَ بِالصُّوَرِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا ظِلٌّ. وَهَذَا مَذْهَبٌ بَاطِلٌ؛ فَإِنَّ السِّتْرَ الَّذِي أَنْكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصُّورَةَ فِيهِ، لَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّهُ مَذْمُومٌ، وَلَيْسَ لِصُورَتِهِ ظِلٌّ، مَعَ بَاقِي الْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ فِي كُلِّ صُورَةٍ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: النَّهْيُ فِي الصُّورَةِ عَلَى الْعُمُومِ".