عدد الزوار 148 التاريخ Wednesday, August 25, 2021 8:17 AM
فَأَجَابَ: أَفْضَلُ الأَشْهُرِ - وَاللهُ أَعْلَمُ - شَهْرُ رَمَضَانَ، ثُمَّ الأَشْهُرُ الحُرُمُ، وَأَفْضَلُهَا شَهْرُ ذِي الحِجَّةِ، وَاللهُ - جَلَّ وَعَلَا - رَبُّ الشُّهُورِ كُلِّهَا.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)؛ أَيْ: فِي جَمِيعِ الشُّهُورِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ، فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: "السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ".
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: اخْتَارَ اللَّهُ الزَّمَانَ، وَأَحَبُّ الزَّمَانِ إِلَى اللَّهِ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ، وَأَحَبُّ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ إِلَى اللَّهِ ذُو الْحِجَّةِ، وَأَحَبُّ ذِي الْحِجَّةِ إِلَى اللَّهِ الْعَشْرُ الْأُوَلُ. وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَفَعَهُ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ.
قَالَ: وَقَدِ اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي أَيِّ الأَشْهُرِ الحُرُمِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ الحَسَنُ وَغَيْرُهُ: أَفْضَلُهَا شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وَرَجَّحَهُ طَائِفَةٌ مِنَ المُتَأَخِّرِينَ، وَرَوَى وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: إِنَّ اللهَ افْتَتَحَ السَّنَةَ بِشَهْرٍ حَرَامٍ، وَخَتَمَهَا بِشَهْرٍ حَرَامٍ، فَلَيْسَ شَهْرٌ فِي السَّنَةِ - بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ - أَعْظَمَ عِنْدَ اللهِ مِنَ المُحَرَّمِ، وَكَانَ يُسَمَّى شَهْرَ اللهِ الأَصَمَّ مِنْ شِدَّةِ تَحْرِيمِهِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مَرْفُوعًا وَمُرْسَلًا، قَالَ آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ: حَدَّثَنَا أَبُو الهِلَالِ الرَّاسِي، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ المَكْتُوبَةِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الأَوْسَطِ، وَأَفْضَلُ الشُّهُورِ بَعْدَ شَهْرِ رَمضَانَ المُحَرَّمُ، وَهُوَ شَهْرُ اللهِ الأَصَمُّ".
وَخَرَّجَ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيُّ اللَّيْلِ خَيْرٌ؟ وَأَيُّ الأَشْهُرِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: "خَيْرُ اللَّيْلِ جَوْفُهُ، وَأَفْضَلُ الأَشْهُرِ شَهْرُ اللهِ الَّذِي تَدْعُونَهُ المُحَرَّمَ".
وَإِطْلَاقُهُ فِي هَذَا الحَدِيثِ "أَفْضَلَ الأَشْهُرِ" مَحْمُولٌ عَلَى مَا بَعْدَ رَمَضَانَ، كَمَا فِي رِوَايَةِ الحَسَنِ المُرْسَلَةِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُهُ: أَفْضَلُ الأَشْهُرِ الحُرُمِ ذُو القَعْدَةِ أَوْ ذُو الحِجَّةِ. بَلْ قَدْ قِيلَ: إِنَّهُ أَفْضَلُ الأَشْهُرِ مُطْلَقًا. وَزَعَمَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ أَفْضَلَ الأَشْهُرِ الحُرُمِ رَجَبٌ، وَهُوَ قَوْلٌ مَرْدُودٌ.
قَالَ: وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ كَعْبٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَهْرَ ذِي الحِجَّةِ أَفْضَلُ الأَشْهُرِ الحُرُمِ الأَرْبَعَةِ، وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رَاوِي الحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (يَعْنِي: فِي فَضْلِ العَمَلِ الصَّالِحِ فِي عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ): "مَا مِنَ الشُّهُورِ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْ ذِي الحِجَّةِ".
وَفِي مُسْنَدِ البَزَّارِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "سَيِّدُ الشُّهُورِ رَمَضَانُ، وَأَعْظَمُهَا حُرْمَةً ذُو الحِجَّةِ". وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ.
وَفِي مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أَيْضًا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ، فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ: "أَلَا إِنَّ أَحْرَمَ الأَيَّامِ يَوْمُكُمْ هَذَا، أَلَا وَإِنَّ أَحْرَمَ الشُّهُورِ شَهْرُكُمْ هَذَا، أَلَا وَإِنَّ أَحْرَمَ البِلَادِ بَلَدُكُمْ هَذَا".
وَرُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ، وَوَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ، وَنُبَيْطِ بْنِ شَرِيطٍ، وَغَيْرِهِمْ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَهْرَ ذِي الحِجَّةِ أَفْضَلُ الأَشْهُرِ الحُرُمِ، حَيْثُ كَانَ أَشَدَّهَا حُرْمَةً. انْتَهَى.