عدد الزوار 151 التاريخ Wednesday, August 25, 2021 8:09 AM
فَأَجَابَ: بَيْعُ التَّوَرُّقِ: هُوَ شِرَاءُ سِلْعَةٍ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، وَبَيْعُهَا عَلَى غَيْرِ بَائِعِهَا بِثَمَنٍ حَالٍّ؛ لِامْتِلَاكِ النَّقْدِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِهِ، وَأَجَازَهَا الْكَثِيرُ فِي هَذَا الْعَصْرِ؛ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهَا؛ لِقِلَّةِ الْإِقْرَاضِ، وَلِلِاسْتِغْنَاءِ بِهَا عَنِ الْمُعَامَلَاتِ الرِّبَوِيَّةِ الْمُتَّفَقِ عَلَى تَحْرِيمِهَا، وَهُوَ رَأْيٌ وَجِيهٌ، لَكِنْ تَطَوَّرَ التَّسَاهُلُ فِي صُوَرِهَا حَتَّى شَابَهَتِ الرِّبَا بِدَرَجَةٍ كَبِيرَةٍ، فَيَنْبَغِي الْحَدُّ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ فِي الإِنْصَافِ: لَوِ احْتَاجَ إِلَى نَقْدٍ، فَاشْتَرَى مَا يُسَاوِي مِائَةً بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ؛ فَلَا بَأْسَ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ التَّوَرُّقِ. وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. فَإِنْ بَاعَهُ لِمَنِ اشْتَرَى مِنْهُ: لَمْ يَجُزْ؛ وَهِيَ: الْعِينَةُ. نُصَّ عَلَيْهِ. انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: إذَا كَانَ مَقْصُودُ الْمُشْتَرِي الدَّرَاهِمَ، وَغَرَضُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ السِّلْعَةَ إلَى أَجَلٍ لِيَبِيعَهَا وَيَأْخُذَ ثَمَنَهَا؛ فَهَذِهِ تُسَمَّى "مَسْأَلَةَ التَّوَرُّقِ"؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ الْوَرِقُ لَا السِّلْعَةُ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَرَاهَتِهِ؛ فَكَرِهَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَرَخَّصَ فِيهِ آخَرُونَ، وَالْأَقْوَى: كَرَاهَتُهُ. انْتَهَى.
وَقَالَ: وَأَمَّا الْبَيْعُ إلَى أَجَلٍ ابْتِدَاءً، فَإِنْ كَانَ قَصْدُ الْمُشْتَرِي الِانْتِفَاعَ بِالسِّلْعَةِ وَالتِّجَارَةَ فِيهَا: جَازَ إذَا كَانَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُبَاحِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ مَقْصُودُهُ الدَّرَاهِمَ، فَيَشْتَرِي بِمِائَةٍ مُؤَجَّلَةٍ وَيَبِيعُهَا فِي السُّوقِ بِسَبْعِينَ حَالَّةٍ؛ فَهَذَا مَذْمُومٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ. وَهَذَا يُسَمَّى "التَّوَرُّقَ". قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: التَّوَرُّقُ أُخَيَّةُ الرِّبَا. انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ القَيِّمِ: وَهَذَا الْمُضْطَرُّ إنْ أَعَادَ السِّلْعَةَ إلَى بَائِعِهَا فَهِيَ الْعِينَةُ، وَإِنْ بَاعَهَا لِغَيْرِهِ فَهُوَ التَّوَرُّقُ، وَإِنْ رَجَعَتْ إلَى ثَالِثٍ يَدْخُلُ بَيْنَهُمَا فَهُوَ مُحَلِّلُ الرِّبَا، وَالْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ يَعْتَمِدُهَا الْمُرَابُونَ، وَأَخَفُّهَا التَّوَرُّقُ، وَقَدْ كَرِهَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَقَالَ: هُوَ أُخَيَّةُ الرِّبَا. وَعَنْ أَحْمَدَ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَأَشَارَ فِي رِوَايَةِ الْكَرَاهَةِ إلَى أَنَّهُ مُضْطَرٌّ، وَهَذَا مِنْ فِقْهِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: فَإِنَّ هَذَا لَا يَدْخُلُ فِيهِ إلَّا مُضْطَرٌّ، وَكَانَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَمْنَعُ مِنْ مَسْأَلَةِ التَّوَرُّقِ، وَرُوجِعَ فِيهَا مِرَارًا وَأَنَا حَاضِرٌ، فَلَمْ يُرَخِّصْ فِيهَا، وَقَالَ: الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ حُرِّمَ الرِّبَا مَوْجُودٌ فِيهَا بِعَيْنِهِ، مَعَ زِيَادَةِ الْكُلْفَةِ بِشِرَاءِ السِّلْعَةِ وَبَيْعِهَا وَالْخَسَارَةِ فِيهَا؛ فَالشَّرِيعَةُ لَا تُحَرِّمُ الضَّرَرَ الْأَدْنَى، وَتُبِيحُ مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ. انْتَهَى.