عدد الزوار 245 التاريخ 01/01/2021
فَأَجَابَ: لَمْ يَصِحَّ حَدِيثٌ فِي التَّكْبِيرِ المُقَيَّدِ بِأَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ؛ لِذَا كَثُرَ الاخْتِلَافُ فِي مَسَائِلِهِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ فِي الجُمْلَةِ، وَالوَارِدُ فِيهِ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيَّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَبَّرَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَى الْعَصْرِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ».
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ بَعْدَ تَضْعِيفِهِ، وَالكَلَامِ عَلَى رِجَالِ إِسْنَادِهِ: "رَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنْ أَبِي الْفَضْلِ، عَنْ عَلِيٍّ، وَعَمَّارٍ، قَالَ: وَهُوَ صَحِيحٌ، وَصَحَّ مِنْ فِعْلِ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ: صَحَّ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُمْ كَانُوا يُكَبِّرُونَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ. وَقَدْ حَكَى فِي الْبَحْرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ إِلَّا عَنِ النَّخَعِيِّ، قَالَ: وَلَا وَجْهَ لَهُ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَحَلِّهِ، فَحَكَى فِي الْبَحْرِ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَالْعِتْرَةِ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ، وَأَحَدِ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّ مَحَلَّهُ عُقَيْبَ كُلِّ صَلَاةٍ، مِنْ فَجْرِ عَرَفَةَ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِ: بَلْ مِنْ ظُهْرِ النَّحْرِ إلَى فَجْرِ الْخَامِسِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِ: بَلْ مِنْ مَغْرِبِ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى فَجْرِ الْخَامِسِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مِنْ فَجْرِ عَرَفَةَ إِلَى عَصْرِ النَّحْرِ.
وَقَالَ دَاوُدُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مِنْ ظُهْرِ النَّحْرِ إلَى عَصْرِ الْخَامِسِ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي مَوَاضِعَ، فَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّ التَّكْبِيرَ عَلَى أَعْقَابِ الصَّلَوَاتِ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّ ذَلِكَ بِالْمَكْتُوبَاتِ دُونَ النَّوَافِلِ، وَمِنْهُمْ مِنْ خَصَّهُ بِالرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، وَبِالْجَمَاعَةِ دُونَ الْمُنْفَرِدِ، وَبِالْمُؤَدَّاةِ دُونَ الْمَقْضِيَّةِ، وَبِالْمُقِيمِ دُونَ الْمُسَافِرِ، وَسَاكِنِ الْمِصْرِ دُونَ الْقَرْيَةِ.
قَالَ: وَلِلْعُلَمَاءِ أَيْضًا اخْتِلَافٌ آخَرُ فِي ابْتِدَائِهِ وَانْتِهَائِهِ ... وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثٌ. وَأَصَحُّ مَا وَرَدَ فِيهِ عَنِ الصَّحَابَةِ: قَوْلُ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ: إنَّهُ مِنْ صُبْحِ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى آخِرِ أَيَّامِ مِنًى. أَخْرَجَهُمَا ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ.
وَأَمَّا صِفَةُ التَّكْبِيرِ؛ فَأَصَحُّ مَا وَرَدَ فِيهِ: مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: "كَبِّرُوا: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا".
وَنُقِلَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، أَخْرَجَهُ الْفِرْيَابِيُّ فِي كِتَابِ الْعِيدَيْنِ، مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَزَادَ: "وَلِلَّهِ الْحَمْدُ".
وَقِيلَ: يُكَبِّرُ ثَلَاثًا، وَيَزِيدُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ... إلَخْ.
وَقِيلَ: يُكَبِّرُ ثِنْتَيْنِ بَعْدَهُمَا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
جَاءَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَقَدْ أُحْدِثَ فِي هَذَا الزَّمَانِ زِيَادَةٌ فِي ذَلِكَ لَا أَصْلَ لَهَا. انْتَهَى كَلَامُ الْفَتْحِ ... وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ لَا يَخْتَصُّ اسْتِحْبَابُهُ بِعَقِبِ الصَّلَوَاتِ؛ بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ تِلْكَ الْأَيَّامِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْآثَارُ الْمَذْكُورَةُ. انتهى.
فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا: فَيُسْتَحَبُّ التَّكْبِيرُ المُطْلَقُ ابْتِدَاءً مِنْ غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ ذِي القَعْدَةِ إِلَى غُرُوبِ شَمْسِ اليَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ، وَهُوَ آخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
وَأَمَّا المُقَيَّدُ؛ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ مِنْ فَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ إِلَى غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، قِيلَ: هَذَا لِغَيْرِ الحَاجِّ، أَمَّا الحَاجُّ فَيَبْدَأُ التَّكْبِيرَ المُقَيَّدَ فِي حَقِّهِ مِنْ ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ.
فَإِذَا سَلَّمَ مِنَ الفَرِيضَةِ، وَاسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا، وَقَالَ: "اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ"؛ شَرَعَ فِي التَّكْبِيرِ. وَاللهُ أَعْلَمُ.