عدد الزوار 234 التاريخ 01/01/2021
فَأَجَابَ: يَجُوزُ مِنْ غَيرِ كَرَاهَةٍ قَضَاءُ الفَرْضِ فِي تِسْعِ ذِي الحِجَّةِ، وَإِنْ كَانَ الأَوْلَى قَضَاءَ مَا عَلَيْهِ قَبْلَ تِسْعِ ذِي الحِجَّةِ لِيَصُومَهَا تَطَوُّعًا.
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: "وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ فِي كَرَاهَةِ القَضَاءِ فِي عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ، فَرُوِيَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِبُّ قَضَاءَ رَمَضَانَ فِي العَشْرِ، وَلِأَنَّهُ أَيَّامُ عِبَادَةٍ فَلَمْ يُكْرَهِ القَضَاءُ فِيهِ، كَعَشْرِ المُحَرَّمِ، وَالثَّانِيَةُ: يُكْرَهُ القَضَاءُ فِيهِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ؛ لِأَنَّهُ يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ كَرِهَهُ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ؛ يَعْنِي أَيَّامَ العَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ). فَاسْتُحِبَّ إِخْلَاؤُهَا لِلتَّطَوُّعِ لِيَنَالَ فَضِيلَتَهَا، وَيَجْعَلَ القَضَاءَ فِي غَيْرِهَا، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: هَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ مَبْنِيَّتَانِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي إِبَاحَةِ التَّطَوُّعِ قَبْلَ صَوْمِ الفَرْضِ وَتَحْرِيمِهِ. فَمَنْ أَبَاحَهُ كَرِهَ القَضَاءَ فِيهَا؛ لِيُوَفِّرَهَا عَلَى التَّطَوُّعِ لِيَنَالَ فَضْلَهُ فِيهَا مَعَ فِعْلِ القَضَاءِ، وَمَنْ حَرَّمَهُ لَمْ يَكْرَهْهُ فِيهَا؛ بَلِ اسْتَحَبَّ فِعْلَهُ فِيهَا؛ لِئَلَّا يَخْلُوَ مِنَ العِبَادَةِ بِالكُلِّيَّةِ، وَيَقْوَى عِنْدِي أَنَّ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ فَرْعٌ عَلَى إِبَاحَةِ التَّطَوُّعِ قَبْلَ الفَرْضِ، أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ التَّحْرِيمِ، فَيَكُونُ صَوْمُهَا تَطَوُّعًا قَبْلَ الفَرْضِ مُحَرَّمًا، وَذَلِكَ أَبْلَغُ مِنَ الكَرَاهَةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ".