عدد الزوار 252 التاريخ 01/01/2021
فأجاب: الحَدِيثُ الثَّابِتُ - عَلَى خِلَافٍ فِي رَفْعِ آخِرِهِ وَوَقْفِهِ عَلَى عُرْوَةَ، وَإِسْنَادِهِ أَوْ تَعْلِيقِهِ - مَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لَا، إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِحَيْضٍ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّي). قَالَ: وَقَالَ أَبِي: "ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ" حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الوَقْتُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: "المُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ"، قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: غَرِيبٌ جِدًّا.
وَحَدِيثُ: "تَوَضَّئِي لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ"، قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: الرِّوَايَةُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، لَا لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي وُضُوءِ المُسْتَحَاضَةِ وَمَنْ فِي حُكْمِهَا مِنْ أَصْحَابِ الأَعْذَارِ دَائِمِي الحَدَثِ:
فَالقَوْلُ الأَوَّلُ: لَا يَجِبُ عَلَيْهَا وُضُوءٌ، وَلَكِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّ الحَدَثَ غَيْرُ مُعْتَادٍ، وَلَا فَائِدَةَ مِنَ الوُضُوءِ مَعَ اسْتِمْرَارِ الحَدَثِ؛ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ لِفَاطِمَةَ: "فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ، ثُمَّ صَلِّي". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فَلَمْ يَأْمُرْهَا بِالوُضُوءِ. وَهَذَا مَذْهَبُ المَالِكِيَّةِ، وَدَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ، وَعِكْرِمَةَ، وَأَيُّوبَ، وَطَائِفَةٍ. وَهُوَ اخْتِيَارِ شَيْخِنَا ابْنِ عُثَيْمِينَ رَحِمَهُ اللهُ.
القَوْلُ الثَّانِي: يَجِبُ عَلَيْهَا الوُضُوءُ لِلْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الجُمْهُورِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِنَا ابْنِ بَازٍ - رَحِمَهُ اللهُ -، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مَاذَا تُصَلِّي بِهِ؟
فَالقَوْلُ الأَوَّلُ: تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا، وَهُوَ مَذْهَبُ الحَنَابِلَةِ.
القَوْلُ الثَّانِي: تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ فَرْضٍ، وَتُصَلِّي بِهِ مَا شَاءَتْ مِنَ النَّوَافِلِ فِي الوَقْتِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ.
القَوْلُ الثَّالِثُ: تَتَوَضَّأُ لِلْوَقْتِ، وَتُصَلِّي بِهِ مَا شَاءَتْ مِنْ فَرَائِضَ وَنَوَافِلَ، مَا لَمْ يَخْرُجِ الوَقْتُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الحَنَفِيَّةِ، وَهَذَا القَوْلُ هُوَ الرَّاجِحُ، فَتُصَلِّي الفَوَائِتَ، وَتَجْمَعُ فِي السَّفَرِ، وَتُرَاعِي المَشَقَّةَ، فَلَوِ احْتَاجَتْ إِلَى أَنْ تَتَوَضَّأَ قَبْلَ الوَقْتِ، وَشَقَّ عَلَيْهَا الوُضُوءُ بَعْدَ دُخُولِ الوَقْتِ، وُضُوؤُهَا صَحِيحٌ.
وَاللهُ أَعْلَمُ.