عدد الزوار 103 التاريخ 01/01/2021
فأجاب: أَيَّامُ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ هِيَ أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا، وَالعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ أَيِّ عَمَلٍ صَالِحٍ فِي غَيْرِهَا مِنْ أَيَّامِ العَامِ؛ وَلِذَا كَانَ السَّلَفُ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ - يَجْتَهِدُونَ فِيهَا اجْتِهَادًا كَبِيرًا، وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، رَاوِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي فَضْلِ العَمَلِ فِيهَا، إِذَا دَخَلَ أَيَّامُ الْعَشْرِ، اجْتَهَدَ اجْتِهَادًا شَدِيدًا، حَتَّى مَا يَكَادُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: "لَا تُطْفِئُوا سُرُجَكُمْ لَيَالِيَ العَشْرِ"؛ تُعْجِبُهُ العِبَادَةُ.
فَجَدِيرٌ بِالمُسْلِمِ أَنْ يُسَابِقَ إِلَى أَنْوَاعِ العِبَادَةِ فِيهَا؛ كَالصِّيَامِ، وَالقِيَامِ، وَكَثْرَةِ الذِّكْرِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَغَيْرِهَا، وَيُنَافِسَ فِي العِبَادَاتِ المُؤَقَّتَةِ فِيهَا، وَهِيَ الحَجُّ وَالأُضْحِيَةُ؛ فَإِنَّ فَضْلَهُمَا عَظِيمٌ.
• وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - ﷺ - قَالَ: (مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ، وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ العَمَلُ فِيهِنَّ، مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَقَدْ صُحِّحَ.
وَفِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَبِّرُ بِمِنًى تِلْكَ اْلأَيَّامَ، وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ، وَعَلَى فِرَاشِهِ، وَفِي فُسْطَاطِهِ، وَمَجْلِسِهِ، وَمَمْشَاهُ، تِلْكَ اْلأَيَّامَ جَمِيعًا.
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: التَّكْبِيرُ فِي الأَضْحَى مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ، فَالمُقَيَّدُ عُقَيْبَ الصَّلَوَاتِ. وَالمُطْلَقُ فِي كُلِّ حَالٍ. انتهى.
فَالتَّكْبِيرُ المُطْلَقُ، يَبْدَأُ مِنْ رُؤْيَةِ هِلَالِ ذِي الحِجَّةِ، إِلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
وَالتَّكْبِيرُ المُقَيَّدُ بِعُقَيْبِ الصَّلَوَاتِ، يَبْدَأُ مِنْ فَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ، إِلَى عَصْرِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
وَرَوَى جَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ: رَأَيْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيرٍ، وَمُجَاهِدًا، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى، أَوِ اثْنَيْنِ مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَمَا رَأَيْنَا مِنْ فُقَهَاءِ النَّاسِ يَقُولُونَ فِي أَيَّامِ العَشْرِ: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الحَمْدُ.
وَإِنْ شَاءَ جَعَلَ التَّكْبِيرَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا ثَلَاثًا.
• وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ - ﷺ - قَالَ: (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ). رواه مسلم.
قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ يُكَفِّرُ ذُنُوبَ صَائِمِهِ فِي السَّنَتَيْنِ، قَالُوا: وَالمُرَادُ بِهَا الصَّغَائِرُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ صَغَائِرُ يُرْجَى التَّخْفِيفُ مِنَ الكَبَائِرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رُفِعَ دَرَجَاتٍ.
وَقَالَ المُبَارَكْفُورِي: فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التِي بَعْدَهُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّجُلِ ذَنْبٌ فِي تِلْكَ السَّنَةِ؟ قِيلَ: مَعْنَاهُ أَنْ يَحْفَظَهُ اللهُ تَعَالَى مِنَ الذُّنُوبِ فِيهَا، وَقِيلَ: أَنْ يُعْطِيَهُ مِنَ الرَّحْمَةِ وَالثَّوَابِ قَدْرًا يَكُونُ كَكَفَّارَةِ السَّنَةِ المَاضِيَةِ وَالسَّنَةِ القَابِلَةِ إِذَا جَاءَتْ وَاتَّفَقَتْ لَهُ ذُنُوبٌ.
• قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَفِي المُسْنَدِ وَالسُّنَنِ عَنْ حَفْصَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ - ﷺ - كَانَ لَا يَدَعُ صِيَامَ العَشْرِ. وَفِي إِسْنَادِهِ اخْتِلَافٌ. وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - ﷺ -: أَنَّ النَّبِيَّ - ﷺ - كَانَ لَا يَدَعُ صِيَامَ تِسْعِ ذِي الحِجَّةِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ صُحِّحَ).
وَمِمَّنْ كَانَ يَصُومُ العَشْرَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - وَرُوِيَ عَنِ الحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَقَتَادَةَ مَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ صِيَامِهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ العُلَمَاءِ، أَوْ كَثِيرٍ مِنْهُمْ.
• وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُرَدُّ فِيهِنَّ - يَعْنِي عَشْرَ ذِي الحِجَّةِ – الدُّعَاءُ. خَرَّجَهُ جَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَاللهُ أَعْلَمُ.