إشكال في قوله تعالى: (واتقوا الله ويعلمكم الله) والجواب عنه
عدد الزوار
134
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
في الآية الكريمة في سورة فاطر ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾[فاطر: 28] وتفسير الآية في سورة البقرة ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ﴾[البقرة: 282] هل تأتي التقوى قبل العلم أم العلم قبل التقوى وكيف تكون التقوى بدون علم بناء على ما جاء في تفسير الآية الكريمة ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ أي خافوه وراقبوه واتبعوا أمره واتركوا زجره جزاكم الله خيرا؟
الإجابة :
قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾[فاطر: 28] والخشية قوة الخوف من الله تبارك وتعالى لكمال عظمته وسلطانه وهذا لا يتأتى إلا من شخص عالم بالله وأسمائه وصفاته ولهذا قال: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ أي ما يخشاه الخشية التامة إلا العلماء والمراد العلماء بالله وأسمائه وصفاته وأحكامه وليس العلماء بطبقات الأرض وأجواء السماء وعلم الفيزياء وما أشبه ذلك فإن هؤلاء علومهم لا تؤثر عليهم بالنسبة لخشية الله ولهذا نجد من هؤلاء العلماء الكبار الذين هم رؤوس في الكفر والعياذ بالله لكن المراد بالعلماء هنا العلماء بالله وأسمائه وصفاته وأحكامه فهم الذين يخشون الله تعالى حق خشيته والخشية مبنية على العلم فكلما كان الإنسان أعلم بالله كان أشد خشية لله وأعظم محبة له تبارك وتعالى. وأما قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ﴾[البقرة: 282] فإن كثير من الناس يظنون أن قوله: ﴿وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ﴾ مبني على قوله: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ وليس كذلك بل الأمر بتقوى الله أمر مستقل ولا يمكن تقوى الله إلا بالعلم بالله وقد ترجم البخاري -رحمه الله- على هذا المعنى في قوله في صحيحه باب العلم قبل القول و العمل ثم استدل لذلك بقول الله تعالى ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾[محمد: 19] وعلى هذا فلا تعارض بين الآيتين لأن قوله: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ أمر مستقل بالتقوى ولا يمكن أن يتقي الإنسان ربه إلا إذا علم ما يتقيه أما قوله: ﴿وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ﴾ فهي جملة مستأنفة تفيد أن العلم الذي نناله إنما هو من عند الله وحده فلا علم لنا إلا ما علمنا الله تبارك وتعالى وتعليم الله إيانا نوعان غريزي وكسبي. فالغريزي هو ما يؤتيه الله تعالى للعبد من العلم الذي لا يحتاج إلى تعلم أرأيت الصبي تلده أمه ويهتدي كيف يتناول ثديها ليرضع منه بدون أن يعلمه أحد وكذلك البهائم تعلم ما ينفعها مما يضرها دون أن يسبق لها تعليم من أحد وأما التعليم الكسبي فهو ما يورثه الله العبد بتعلمه بالعلم وتعاطي أسبابه حيث يتعلم على المشايخ و من بطون الكتب ومن أصوات أشرطة التسجيل وغير ذلك ولهذا لما سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم-عن الروح ما هي؟ مع أنها مادة الحياة ولا حياة للبدن إلا بها أمر الله نبيه أن يقول: ﴿الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾[الإسراء: 85] وهذا يتضمن توبيخهم عن السؤال عن الروح كأنه قال الروح من أمر الله وما بقي عليكم أن تسألوا عن شيء إلا عن الروح ما بقي عليكم من العلوم أن تدركوه إلا علم الروح ولهذا قال: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾[الإسراء: 85]
والحاصل أن قوله:﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾[فاطر: 28] تفيد أنه من كان بالله أعلم كان له أخشى وأما آية البقرة: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ﴾[البقرة: 282] فليس فيها أن التقوى مقدمة على العلم؛ لأنه لا يمكن تقوى إلا بعلم ما يتقى وأن الجملة: ﴿وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ﴾ ليس لها ارتباط بما قبلها.
المصدر :
الشيخ ابن عثيمين من فتاوى نور على الدرب