نذر صوم عشرة أيام من شهر معين ثم صامها من شهر آخر فماذا يلزمه ؟
عدد الزوار
114
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
سئل فضيلة الشيخ - رحمه الله تعالى - : رجل نذر أن يصوم عشرة أيام من شهر ما، ثم لم يصمها في ذلك الشهر وصامها في الشهر الثاني فماذا يلزمه ؟
الإجابة :
أولاً: نحن من هذا المنبر نكرر النهي عن النذر، آخذين بنهي النبي- صلى الله عليه وسلم - عنه، فإن النبي- صلى الله عليه وسلم - نهى عن النذر وقال: «إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل» وما أكثر السائلين الذين يسألون عن نذور نذروها: إما لوقوعهم في ضيق، فينذرون إن نجاهم الله منه أن يتصدقوا أو يصوموا: وإما لمريض كان عندهم ينذرون إن شفاه الله أن يتصدقوا أو يصوموا: وإما لحصول الذرية ينذرون إن رزقهم الله أولاداً أن يفعلوا كذا وكذا من العبادات. كأن الله عز وجل لا يمن عليهم بنعمه إلا إذا شرطوا له هذا النذر، وإنني من هذا المكان أحذر إخواني المسلمين عن النذر، وأنقل إليهم نهي النبي- صلى الله عليه وسلم - عنه، لأنهم دائماً ينذرون فيندمون، وربما ينذرون ولا يوفون، وما أعظم عقوبة من نذر لله تعالى ولم يوف، قال الله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾[التوبة: 75-77] ثم إن النذر أقسام:
منه ما يجب الوفاء به، ومنه ما لا يجب الوفاء به، لكونه جارياً مجرى اليمين، فإذا نذر الإنسان عبادة: سواء كان نذراً مطلقاً، أو معلقاً، قاصداً فعل تلك العبادة، وجب عليه أن يأتي بهذه العبادة، مثال ذلك، قال رجل: لله عليَّ نذر أن أصلي ركعتين. فهذا نذر عبادة مطلق، فيجب عليه أن يصلي فوراً ما لم يقيدها بزمن أو مكان، فإن قيدها بزمن لم يجب عليه أن يصلي حتى يأتي ذلك الزمن، وإن قيدها بمكان لم يلزمه أن يصلي إلا في ذلك المكان الذي نذره ما لم يكن فيه محذور شرعي، لكن يجوز له أن يصليها في مكان آخر إلا إذا كان المكان الذي عينه له مزية فضل، فإنه لا يجوز له أن يصليها في مكان ليس فيه ذلك الفضل مثل لو نذر الصلاة في المسجد الحرام لم تجزئه الصلاة فيما سواه من المساجد، ولو نذر الصلاة في مسجد النبي- صلى الله عليه وسلم - أجزأه أن يصلي في المسجد الحرام بدلاً عنه، ولو نذرها في المسجد الأقصى أجزأه أن يصلي في المسجد النبوي وفي المسجد الحرام أيضاً فإذا نذر الأعلى لم تجزئ الصلاة فيما دونه، وإن نذر الأدنى أجزأت فيما هو أعلى منه.
والمهم أن نذر العبادة يجب الوفاء به: سواء كان مطلقاً كما مثلنا، أم معلقاً كما لو قال: إن شفى الله مريضي فلله عليَّ نذر أن أصوم شهراً، أو قال: إن نجحت في الامتحان فلله عليَّ نذر أن أصوم ثلاثة أيام، أو أن أصوم يوم الاثنين والخميس من الشهر الفلاني، أو ما أشبه ذلك. فيجب عليه الوفاء بذلك، لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - : «من نذر أن يطيع الله فليطعه».
أما إذا كان النذر جارياً مجرى اليمين أي لا يقصد التعبد لله تعالى بهذه العبادة المعينة، وإنما يقصد الناذر أن يمتنع من فعل معين، أو أن يلتزم بفعل معين مثل أن يقول: لله عليَّ نذر أن لا ألبس هذا الثوب. فهذا يخيَّر بين ترك لبسه وكفارة اليمين، أو يقول: إن لبست هذا الثوب فلله عليَّ نذر أن أصوم شهراً، فهنا إذا لبس الثوب لم يلزمه أن يصوم شهراً، بل إن شاء صام شهراً، وإن شاء كفَّر عن نذره كفارة يمين، لأن كل نذر يقصد به المنع، أو الحث، أو التصديق، أو التكذيب فإنه يكون جارياً مجرى اليمين.
بعد هذا نرجع إلى جواب السؤال الذي تقدم به السائل، وهو أنه نذر أن يصوم عشرة أيام من شهر ما، ثم لم يصمها في ذلك الشهر وصامها في الشهر الثاني، فنقول له: إن عليك كفارة يمين، لأن نذره تضمن شيئين: تضمن صيام عشرة أيام، وأن تكون في هذا الشهر المعين. فلما فاته أن تكون في هذا الشهر المعين لزمته كفارة اليمين لفوات الصفة، وأما الأيام فقد صامها.
وأخيراً أرجو من إخواني المسلمين أن لا ينذروا، ويكلفوا أنفسهم بهذه النذور، وأن لا يلزموا أنفسهم بما لم يلزمهم الله به، وأن لا يفعلوا شيئاً يندمون عليه، وربما لا يوفون به فيقع عليهم ما وقع على من عاهد الله ﴿لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [التوبة: 75-77] أخشى أن يقع الإنسان إذا نذر لله نذراً كهذا الذي ذكره الله عز وجل، ثم لم يوف به أن يعقبه الله تعالى نفاقاً في قلبه إلى الممات. إنني أرجو وأكرر رجائي أن ينتبه إخواني المسلمون إلى هذه المسألة، وأن ينتهوا عن النذر، كما نهاهم عنه نبيهم محمد - صلى الله عليه وسلم - ، والله المستعان.
المصدر :
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(19/374-377)