السؤال :
وجدت في بلد ما إعلاناً بخصوص توفير قرض وتسديده بالأقساط وصورته كالتالي: شخص يريد شراء سيارة، فذهب إلى بيت التمويل، فيقوم هذا البيت بشراء السيارة التي يريدها الشخص، ومن ثم تحويلها باسمه، على أن يكون ثمن بيعها له أكثر من ثمن شرائها هو، ويقوم الشخص بدفع الأقساط إلى بيت التمويل.
الإجابة :
يعني: مثلاً يذهب إلى بيت التمويل يقول: أنا أريد السيارة فيشتريها باسمه وينقد الثمن ثم يبيعها على هذا الطالب بأكثر من الثمن مقسطاً! هذه حيلة على الربا, يعني: بدل من أن يقول: خذ خمسين ألف ريال قيمة السيارة, وهي عليك بستين ألف إلى أجل, أتى بهذا البيع الصوري, بيت التمويل الآن لولا أن هذا الرجل جاء يطلب السيارة هل يشتري السيارة؟ لا, ولو أن طالب السيارة قال: اشتريها بقيمتها, بمعنى: تشتريها بخمسين ألف وآخذها منك بالتقسيط بخمسين ألف هل يقبل بيت التمويل؟ أقطع أنه لا يقبل, إذاً: ما الذي قصد بيت التمويل من هذه المعاملة؟ قصد الزيادة, فهذا -في الحقيقة- قرض بزيادة لكنه بحيلة (لفة) ومعلوم أن الله عز وجل لا تنفع عنده الحيل, فهو ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُور﴾[غافر: 19] فلو قيل لبيت التمويل: ما قصدك بشراء هذه السيارة وبيعها على هذا الرجل؟ لقال بكل تأكيد: إن قصده الزيادة, ولا يمكن أن يدعي أن قصده الإحسان إلى هذا الرجل أبداً, يقول بعض الناس: - مثلاً- لو أن الرجل المشتري قال: لا أريد السيارة، قبلها بيت التمويل, فنقول: أولاً: هذه حجة لا تنفع عند الله؛ لأن هذا الذي طلب السيارة هل سيتركها ؟ لا يتركها وهو يريدها, ولهذا لو أحصيت ألف معاملة من هذا النوع ما وجدت واحداً منهم هَوَّن, فلا تغتر بعمل الناس.
والفائدة التي يأخذها هذا الرجل تعتبر ربا, والربا الصريح الذي تفعله البنوك أهون من هذا؛ لأن الربا الصريح ربا يدخل الإنسان فيه على أنه عاص لله ويحاول أن يتوب, أما هذا فيدخل فيه على أنه مباح, وهذا لا يجوز, اليهود تحيلوا على محارم الله بأدنى من هذا, حرم الله عليهم الشحوم قال: لا تأكلوا الشحوم, فماذا كانوا يصنعون؟ قالوا: نذوب الشحم ثم نبيع الشحم ونأخذ الثمن, الصورة الآن هل أكلوا الشحم؟ ما أكلوه ولا باعوا الشحم على طبيعته وأيضاً ذوبوه, حتى لا يقال: إنكم بعتم ما حرم عليكم وأكلتم ثمنه, فذوّبوه ثم باعوه وأكلوا ثمنه, والرسول عليه الصلاة والسلام قال: «قاتل الله اليهود! حرمت عليهم الشحوم ثم جملوها فباعوها وأكلوا ثمنها» .
وكذلك أصحاب السبت حرمت عليهم الحيتان يوم السبت فابتلاهم الله وجعل الحيتان تأتي يوم السبت شُرّعاً على وجه الماء من كثرتها, وغير يوم السبت لا يرونها, فقالوا: ماذا نعمل؟ لا يمكن أن تذهب هذه الحيتان بدون أكل, عملوا شبكة يضعونها يوم الجمعة, فتأتي الحيتان تدخل في الشبكة يوم السبت فإذا كان يوم الأحد جاءوا وأخذوها, وقالوا: نحن ما صدناها يوم السبت، صدنا يوم الأحد, فماذا عوقبوا؟ عوقبوا في الدنيا يداً بيد, قال الله تعالى: ﴿فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾[البقرة: 65] فكانوا قردة تتعاوى والعياذ بالله.
لا يجوز - أبداً - أن نستحل محارم الله بالحيل إطلاقاً, وإن أفتاك الناس وأفتوك, فكر أنت بنفسك, هل هذا إلا حيلة ؟ أما لو كان هذا بيت التمويل عنده سيارات يأتي زيد ويبيع عليه نقداً بخمسين, ويأتي عمرو ويقول: أنا أريدها مقسطة فيقول: بستين فهذه لا بأس, لكن كونه لا يشتري إلا لأجل يأخذ الربا هذا لا يشك الإنسان أن هذا حيلة.
إذا كان يجب عليه الإنسان أن يتوب ولا يتعامل بهذا, فإن كان لم يعلم بأنه حرام فما أخذه فهو حلال, وإن كان قد علم وعاند فهذا محل نظر, قد نقول: إذا تاب فله ما سلف كما قال الله عز وجل: ﴿فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ﴾[البقرة: 275] وقد يقال: لا هذا الرجل معاند فيجب عليه أن يتصدق بكل ما أخذ من هذا.
بارك الله فيكم وزادنا وإياكم علماً نافعاً وإلى اللقاء إن شاء الله في الخميس القادم, نسأل الله لنا ولكم التوفيق.