صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم
عدد الزوار
77
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
سئل فضيلته - حفظه الله ورعاه - : كيف كانت صفة صلاة النبي عليه الصلاة والسلام ؟
الإجابة :
إذا توضأ الإنسان وارتفع حدثه، فإنه يصلي على الصفة التالية:
يستقبل القبلة، ويكبر تكبيرة الإحرام، ومع هذه التكبيرة يرفع يديه حتى تكون حذو منكبيه، أو إلى فروع أذنيه. كل ذلك ثبت به الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم بعد هذا يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى على صدره، ثم يستفتح بالاستفتاح الوارد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وبأي استفتاح استفتح مما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه يجزئه.
وأصح ما ورد في ذلك: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الثابت في الصحيحين قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كبر للصلاة سكت هنيهة، فقلت: يا رسول الله، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول ؟ قال: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء، والثلج، والبرد». هذا أصح حديث ورد في هذا الاستفتاح.
وإن استفتح بغيره مما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا حرج، ومنه قول: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك».
ثم بعد ذلك يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ويقرأ البسملة، ثم يقرأ الفاتحة ثم يقرأ بعدها سورة؛ وهذه السورة تكون طويلة في الفجر، وتكون قصيرة في المغرب، وتكون بين ذلك فيما عداهما، ثم بعد هذا يرفع يديه إلى حذو منكبيه أو إلى فروع أذنيه ويكبر للركوع، فيركع ويضع يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع، ويمد ظهره مستوياً، مساوياً رأسه ظهره، قالت عائشة – رضي الله عنها - : «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ركع لم يشخص رأسه، ولم يصوبه، ولكن بين ذلك». ويقول في هذا الركوع: «سبحان ربي العظيم"؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نزل قول الله تعالى: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾[الواقعة: 74]. قال: «اجعلوها في ركوعكم».
ويقول أيضاً، «سبوح قدوس رب الملائكة والروح»، ويقول أيضاً: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي»، ثم يرفع رأسه قائلاً: «سمع الله لمن حمده» رافعاً يديه حتى يكونا حذو منكبيه أو إلى فروع أذنيه، وبعد قيامه وانتصابه يقول: «ربنا ولك الحمد»، وإذا كان مأموماً يقول في رفعه: «ربنا ولك الحمد» ولا يقول: «سمع الله لمن حمده» لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: «ربنا ولك الحمد»، ثم يقول: «ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد».
وفي هذا القيام يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى على صدره كما وضعهما قبل الركوع.
وأما من قال: إنه يرسلهما. فإنه ليس له حجة من سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، بل السنة أن يضعهما كما وضعهما قبل الركوع؛ لأنه ثبت في صحيح البخاري في حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: "كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة"، وهذا في جميع الحالات، ويستثنى منه ما استثنته السنة وذلك حال السجود، فإن اليدين توضعان على الأرض، وحال الجلوس فإنهما توضعان على الفخذين، وحال الركوع توضعان الركبتين. ويبقى ما سوى هذه الأحوال الثلاثة على العموم في حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - .
ويجوز للإنسان أن يقول: ربنا ولك الحمد، وأن يقول: ربنا لك الحمد دون واو، وأن يقول: اللهم ربنا ولك الحمد – كل هذه الصفات الأربع جاءت بها السنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ثم يكبر ساجداً أي: يكبر من القيام ساجداً على سبعة أعظم، ولا يرفع يديه؛ لقول ابن عمر - رضي الله عنهما - حين ذكر المواضع التي رفع فيها - صلى الله عليه وسلم - يديه قال: «وكان لا يفعل ذلك في السجود». يسجد على سبعة أعظم، على الجبهة والأنف، وعلى الكفين، وعلى الركبتين، وعلى أطراف القدمين، وفي حال هويه إلى الأرض للسجود يقدم ركبتيه ثم رجليه، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير».
فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - الساجد أن يبرك كما يبرك البعير. أي على صفة بروك البعير، وبروك البعير يقدم يديه قبل رجليه، وهنا لم يقل الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير» حتى نقول: إن ذلك نهي عن تقديم الركبتين، ولكنه قال: «كما يبرك البعير»؛ فالنهي عن الصفة، وليس عن العضو المسجود عليه، ولهذا ينبغي أن يتنبه لهذا حتى يكون هذا الحديث وهو حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - موافقاً لحديث وائل بن حجر الدال على أن الركبتين تقدمان حال السجود.
ومن كان عاجزاً أو في ركبتيه وجع أو ما أشبه ذلك فلا حرج عليه أن يقدم يديه قبل ركبتيه، وفي السجود ينبغي أن يجعل يديه إما حذو منكبيه، وإما أن يقدمهما حتى تكون الجبهة والأنف بينهما، وأما بالنسبة إلى ظهره فإنه لا يمده ولكنه يرفعه عن فخذه، ويرفع فخذيه عن ساقيه، ويضم قدميه بعضهما إلى بعض، ولا يفرق بينهما.
وأما من قال من أهل العلم: إنه يفرق بينهما (بين القدمين) حال السجود بمقدار شبر فإني لا أعلم في ذلك سنة، فالظاهر من حديث عائشة – رضي الله عنها – حين فقدت النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فخرجت فوجدته ساجداً قالت: «فوقعت يدي على قدميه»، ومن المعلوم أن اليد الواحدة لا تقع على القدمين إلا إذا كان بعضهما مضموماً إلى بعض.
وقد جاء ذلك أيضاً في صحيح ابن خزيمة - رحمه الله - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يضم إحدى رجليه إلى الأخرى في حال السجود. ويقول في سجوده: «سبحان ربي الأعلى»، ويقول أيضاً: «سبوح قدوس رب الملائكة والروح». ويقول أيضاً: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي» كل هذا مما جاءت به السنة.
وإذا أطال الركوع والسجود، فإنه يكثر في الركوع من الثناء وتعظيم الله عز وجل، ويكثر في السجود من الدعاء، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما صح عنه عليه الصلاة والسلام: «ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم». أي حري أن يستجاب لكم إذا دعوتم الله سبحانه وتعالى في حال السجود، ولهذا ورد في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : «أن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد».
والدعاء هنا وفي غيره من الأماكن التي يشرع فيها في الصلاة، ينبغي أن يحافظ الإنسان فيه على الوارد، فإذا فعل الوارد فله أن يدعو بما أحب؛ يدعو لنفسه، ويدعو لوالديه في الفريضة وفي النفل أيضاً، ويدعو لمن أحب من المسلمين، ويدعو أيضاً بما شاء من أمور الدنيا والدين والآخرة.
ولا تبطل الصلاة إذا دعا بشيء يتعلق بأمر الدنيا؛ لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن مسعود حين ذكر التشهد قال: «ليتخير في الدعاء ما شاء».
وبعد السجدة يقوم مكبراً، ولا يرفع يديه، ويجلس بين السجدتين مفترشاً جالساً على رجله اليسرى، ناصباً رجله اليمنى، فينصب الرجل اليمنى ويجعل بطون أصابعها إلى الأرض....
أما اليدان فإنه يضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويقبض منها الأصابع الثلاثة: الخنصر والبنصر والوسطى، فيضع الإبهام عليها ويشير بالسبابة كلما دعا فيقول مثلاً: رب اغفر لي فيرفع إصبعه، وارحمني فيرفع إصبعه، هكذا كلما دعا يحركها إشارة إلى علو البارئ جل وعلا الذي دعاه.
أما يده اليسرى فإن فيها صفتين:
الصفة الأولى: أن يلقمها ركبته.
والصفة الثانية: أن يضعها مبسوطة على فخذه، كل من تلك الصفتين جائزة. ويقول في هذا الجلوس: "رب اغفر لي، وارحمني، وعافني، واهدني، وارزقني".
ثم يسجد السجدة الثانية، ثم يكمل صلاته على صفة الركعة الأولى التي سبق ذكرها، إلا أنه لا يستفتح فيها؛ لأن الاستفتاح محله أول ركعة، ولهذا يسمى استفتاحاً؛ لأنه تستفتح به الصلاة.
وأما التعوذ بالله من الشيطان الرجيم في الركعة الثانية وفي الركعة الثالثة والرابعة فإن العلماء اختلفوا فيه:... فمنهم من يرى أنه يتعوذ بناء على أن قراءة الصلاة كل ركعة مستقلة عن الأخرى.
ومنهم من يرى: أنه يكفيه التعوذ الأول؛ لأن الصلاة قراءة واحدة في جميع الركعات.
وعلى كل حال فإني لا أعلم في ذلك سنة تفصل بين القولين ولكن إذا تعوذ في الركعة الثانية والثالثة والرابعة فلا حرج عليه، وإن ترك فلا حرج عليه.
ثم يجلس للتشهد بعد الركعتين فيجلس مفترشاً كما يجلس
بين السجدتين ويقرأ التحيات، إن قرأ التحيات بما ورد عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ولفظه: «التحيات لله، والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله»، أو بما ورد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، فكان يقول: «التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله»، فكل ذلك جائز؛ لأن الصواب من أقوال أهل العلم أن ما وردت به السنة مختلفاً، فإنه يفعل هذا مرة وهذا مرة؛ ليأتي الإنسان بالسنة على وجهيها أو وجوهها.
فإذا قال قائل: ما الحكمة في أن ترد السنة مختلفة في بعض الأمور في صفاتها ؟
نقول: من الحكمة – والله أعلم – أن لا يحصل الملل للمتعبد؛ لأنه إذا بقي على شيء واحد قد يلحقه الملل في ذلك.
ومنها: أنه يكون أخف في بعض الأحيان؛ لأن بعض الصفات الواردة في العبادات تكون أخف من بعض في بعض الأحيان، فيكون في ذلك مراعاة التخفيف على العباد، وأضرب لهذا مثلاً بالتخفيف، لقد ورد أن الإنسان يحمد، ويكبر، ويهلل دبر الصلاة حتى يبلغ تسعاً وتسعين ويختم بقوله: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
وورد أيضاً صفة أخرى وهو أن يسبح عشراً، ويحمد عشراً، ويكبر عشراً، ولا ريب أن هذه الصفة الأخيرة أخف على المكلف من الصفة الأولى.
ومن الحكم أيضاً: تنويع العبادات، فإنه أحضر لقلبه؛ لأن الإنسان إذا اتخذ عبادة واحدة دائمة فقد يفعلها بصفة اعتيادية لا يحس بها؛ لأنها عادته، لكن إذا كان يراعي الصفات المختلفة الواردة فإنه بذلك يكون أحضر لقلبه وأجمع.
هذه بعض الحكم من حكم اختلاف الصفات في بعض العبادات.
ترجع إلى صفة الصلاة . . فإذا تشهد المصلي بما رواه ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فحسن، وإذا تشهد بما رواه ابن عباس فحسن، ولكن الذي ينبغي أن يفعل هذا مرة، وهذا مرة، ليأتي بالسنة على وجهيها.
ثم إذا كان في صلاة ثلاثية أو رباعية فإنه ينهض بعد التشهد الأول ليكمل صلاته، وإن كان في ثنائية وهي الصلاة الثنائية مفروضة كانت كالفجر والصلاة المقصورة للمسافر فإنه يتم التشهد. وكذلك السنن، فإن الإنسان يقتصر فيها على ركعتين
ويسلم من ركعتين، لاسيما في صلاة الليل، فإن الواجب أن يقتصر فيها الإنسان على ركعتين؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن صلاة الليل فقال: «مثنى مثنى».
وقال الإمام أحمد - رحمه الله - : إنه إذا قام إلى الثالثة ليلاً فكأنما قال إلى ثالثة في الفجر، يعني: أنه إن لم يرجع فإن صلاته تبطل.
وبهذا نعرف أنه إذا أخطأ الإمام في التراويح، وقام إلى الثالثة فإنه يجب عليه أن يرجع متى ذكر؛ قبل القراءة، أو في أثناء القراءة، أو في الركوع، أو بعد الركوع، يجب أن يرجع ويجلس ويقرأ التشهد ويكمل، ويسلم، ثم يسجد سجدتين للسهو بعد السلام، وإن تعمد المضي في الثالثة عامداً وكملها رابعة فإن صلاته تبطل لمخالفة قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «صلاة الليل مثنى مثنى»، وهذا في غير الوتر، أما في الوتر فقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أوتر بخمس لم يجلس إلا في آخرها، وأوتر بسبع ولم يجلس إلا في آخرها، وأوتر بتسع فجلس في الثامنة فتشهد، ثم قام فأتى بالتاسعة ثم سلم.
وينبغي للمرء أن لا يترك الدعاء الذي أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأخير؛ حيث أمر - عليه الصلاة والسلام - أن يتعوذ الإنسان في التشهد الأخير من أربع فيقول: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال».
وقد ذهب بعض أصحاب الإمام أحمد - رحمه الله - إلى وجوب التعوذ بالله من هذه الأربع؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بها، ولأن التعوذ منها أمر مهم لا ينبغي للإنسان أن يدعه، ويجلس في التشهد الأخير متوركاً.
ـ إما أن ينصب رجله اليمنى ويخرج اليسرى من تحت ساقها.
ـ وإما أن يفرش الرجل اليمنى ويخرج اليسرى من تحت ساق اليمنى.
ـ وإما أن يفرش اليمنى ويدخل رجله اليسرى بين ساقه اليمنى وفخذها.
ثم بعد أن يكمل التشهد الأخير، يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله.
المصدر :
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(13/398- 409)