صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم
عدد الزوار
105
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
سئل فضيلة الشيخ - حفظه الله ورعاه - عن صفة الصلاة
الإجابة :
معرفة صفة الصلاة كمعرفة صفة غيرها من العبادات من أهم ما يكون ذلك؛ لأن العبادة لا تتم إلا بالإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمتابعة لا تمكن إلا بمعرفة كيفية عبادة الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى يتبعه الإنسان فيها، فمعرفة صفة الصلاة مهم جداً، وإني أحث نفسي، وإخواني المسلمين على أن يتلقوا صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - من الكتب الصحيحة: من كتب الحديث المعتبرة حتى يقيموها على حسب ما أقامها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي هو قدوتنا، وإمامنا، وأسوتنا - صلوات الله وسلامه عليه - وجعلنا من أتباعه بإخلاص.
فصفة الصلاة: أن يقوم الإنسان بشروطها السابقة التي تسبقها كالطهارة من الحدث والخبث، واستقبال القبلة وغيرها من الشروط؛ لأن شروط الصلاة تتقدم عليها، ثم يكبر فيقول: «الله أكبر» رافعاً يديه إلى حذو منكبيه، أو إلى فروع أذنيه، ثم يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى على صدره ثم يستفتح بما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الاستفتاح. يستفتح بأي نوع ورد، إما بقول «اللهم باعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء، والثلج، والبرد». أو بقول: «سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك». أو بغيرهما مما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، ثم يقرأ الفاتحة، ويقف على كل آية منها، فيقول كل آية ويقف.
ثم يقرأ ما تيسر من القرآن، والأفضل أن يقرا سورة تامة تكون في الفجر من طوال المفصل، وفي المغرب من قصاره غالباً، وفي الباقي من أوساطه، ثم يرفع يديه مكبراً للركوع فيقول: (الله أكبر) ويضع يديه مفرجة الأصابع على ركبتيه، ويمد ظهره مستوياً مع رأسه لا يرفع ولا يصوبه ويقول: (سبحان ربي العظيم) ويكررها ثلاثاً وهو أدنى الكمال، وإن زاد فلا بأس، ثم يرفع رأسه قائلاً: (سمع الله لمن حمده) ويرفع يديه كذلك، كما رفعها عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع ثم يقول بعد قيامه (ربنا ولك الحمد، حمداً كثيراً، طيباً مباركاً فيه، ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد)، ثم يسجد مكبراً ولا يرفع يديه حال السجود، ولا يرفع يديه إذا هوى إلى السجود، قال ابن عمر - رضي الله عنهما - : وكان لا يفعل ذلك أي الرفع في السجود. ويسجد على ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته وأنفه، يسجد على أعضاء سبعة: الجبهة والأنف وهما عضو واحد، والكفين، والركبتين، وأطراف القدمين، ويجافي عضديه عن جنبيه، ويرفع ظهره ولا يمده، ويجعل يديه حذاء وجهه، أو حذاء منكبيه، مضمومتي الأصابع، مبسوطة، ورؤوس الأصابع نحو القبلة، ويقول: (سبحان ربي الأعلى) أدنى الكمال ثلاث، ويزيد ما شاء، ولكن ليغلب في السجود جانب الدعاء؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم». ثم يرفع من السجود مكبراً، ولا يرفع يديه، ويجلس مفترشاً رجله اليسرى ناصباً، رجله اليمنى، ويضع يديه على فخذيه أو على أعلى ركبتيه، وتكون اليمنى مضمومة الأصابع الثلاثة الخنصر والبنصر والإبهام، وإن شاء حلق الإبهام مع الوسطى، وأما السبابة فتبقى مفتوحة ويحركها عند الدعاء ويقول: «رب اغفر لي، وارحمني، واجبرني، وعافني، وارزقني» وكلما دعا حرك إصبعه نحو السماء إشارة إلى علو المدعو، وهو الله - عز وجل - .
أما اليد اليسرى فإنها تبقى على الفخذ أو على طرف الركبة مبسوطة أصابعها، متجهاً بها إلى القبلة، ثم يسجد السجدة الثانية كالأولى فيما يقال وما يفعل، ثم يرفع من السجود إلى القيام مكبراً، ولا يرفع يديه عند هذا القيام؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث صحيح.
ثم يقرأ الفاتحة وما تيسر، لكن تكون قراءته دون قراءته في الركعة الأولى، ويصلي الركعة الثانية كما صلاها في الركعة الأولى ثم يجلس للتشهد، ويجلس للتشهد كجلوسه للدعاء بين السجدتين، أي يفترش رجله اليسرى وينصب اليمنى، ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى على صفة ما سبق في الجلوس بين السجدتين، ويقرأ التشهد (التحيات لله، والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد عبده ورسوله) وإن كان في ثنائية كالفجر والنوافل فإنه يكمل: (اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال).
ثم إن أحب أطال في الدعاء ما شاء، ثم يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله.
أما إذا كان في ثلاثية أو رباعية فإنه بعد أن يقول في التشهد (أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً عبده ورسوله) يقوم فيصلي ما بقي من صلاته مقتصراً على قراءة الفاتحة، أما الركوع، والسجود فكما سبق في الركعتين الأوليين، ثم يجلس للتشهد الثاني وهو الأخير، ولكن يكون جلوسه توركاً، والتورك له ثلاثة صفات: أما أن ينصب رجله اليمنى ويخرج اليسرى من تحت ساقها. وإما أن يفرش الرجل اليمنى واليسرى من تحت ساقها أي من تحت الساق اليمنى، وإما أن يفرش اليمنى ويدخل اليسرى بين ساقه اليمنى وفخذها، كل ذلك ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم إذا أكمل التشهد سلم عن يمينه وعن يساره كما سبق.
وهنا مسألة يكثر السؤال عنها وهي: وضع الرجلين في الصلاة، فأقول:
وضع الرجلين في حال القيام طبيعي بمعنى أنه لا يلصق بعضهما ببعض، ولا يباعد ما بينهما، كما روي ذلك عن ابن عمر - رضي الله عنهما - ذكره في شرح السنة (أنه كان - رضي الله عنه - لا يباعد بين رجليه ولا يقارب بينهما) هذا في حال القيام، وفي حال الركوع، أما في حال الجلوس: فقد عرفت فيما سبق.
وأما في حال السجود فمن الأفضل أن يلصق إحدى القدمين بالأخرى، وأن لا يفرق بينهما كما يدل على ذلك حديث عائشة – رضي الله عنها – حين وقعت يدها على قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - منصوبتين وهو ساجد، ومعلوم أن اليد الواحدة لا تقع على قدمين منصوبتين إلا وبعضهما قد ضم إلى بعض، وكذلك جاء صريحاً في صحيح ابن خزيمة – رحمه الله – أنه يلصق إحدى القدمين بالأخرى في حال السجود.
هذه هي صفة الصلاة الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فليجتهد الإنسان باتباعها ما استطاع؛ لأن ذلك أكمل في عبادته، وأقوى في إيمانه، وأشد في اتباعه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
الأذكار بعد الصلاة: ينبغي على الإنسان إذا فرغ من صلاته أن يذكر الله عز وجل بما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن الله تعالى أمر بذلك في قوله: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾[النساء: 103]، ومن ذلك أن يستغفر الإنسان ثلاث مرات (أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله) ويقول: (اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام) ، ثم يذكر الله - عز وجل - بما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم يسبح الله ثلاثاً وثلاثين، ويكبر ثلاثاً وثلاثين، ويحمد ثلاثاً وثلاثين، إن شاء قالها كل واحدة على حدة، وإن شاء قالها جميع، كل ذلك جائز.
ويجوز أيضاً صفة أخرى: أن يسبح عشراً، ويكبر عشراً، ويحمد عشراً.
ويجوز أيضاً صفة أخرى: أن يقول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، خمساً وعشرين مرة فتتم مائة.
فالمهم أن كل ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأذكار بعد الصلاة فليقله إما على سبيل البدل، أو على سبيل الجمع؛ لأن بعض الأذكار يذكر بعضها بدلاً عن بعض، وبعضها يذكر بعضها مع بعض فتكون مجموعة، فليحرص الإنسان على ذلك امتثالاً لأمر الله تعالى؛ لقوله: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ﴾[البقرة: 198] واتباعاً لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإذا كان في المسجد فإن الأفضل أن يجهر بهذا الذكر كما ثبت ذلك في صحيح البخاري من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: «كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ) فعلى المصلين أن يرفعوا أصواتهم بهذا الذكر، اقتداء بالصحابة في عهد سول الله - صلى الله عليه وسلم - ، بل اقتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأنه كان يرفع صوته بذلك كما قال ابن عباس: (ما كنا نعرف انقضاء صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بالتكبير).
وقول بعض أهل العلم: إنه يسن الإسرار بهذا الذِّكر، وأن جهر النبي - صلى الله عليه وسلم - كان للتعليم، فيه نظر، فإن الأصل فيما فعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يكون مشروعاً في أصله ووصفه، ومن المعلوم أنه لو لم يكن وصفه - وهو رفع الصوت به - مشروعاً لكان يكفي ما علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته، فإنه قد علمهم هذا الذكر بقوله، فلا حاجة لأن يعلمهم برفع الصوت، ثم إنه لو كان المقصود التعليم لكان التعليم يحصل بمرة أو مرتين، ولا يحافظ عليه الرسول عليه الصلاة والسلام كلما سلم رفع صوته بالذكر. والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصدر :
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(13/ 392 -398)