عدد الزوار 21 التاريخ Sunday, October 20, 2024 8:47 PM
فأجاب: اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي الأَحْكَامِ المُتَرَتِّبَةِ عَلَى سُقُوطِ الجَنِينِ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ، وَذَلِكَ بَعْدَ إِتْمَامِ الأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَالأَظْهَرُ أَنَّهُ يُسَمَّى، وَيُغَسَّلُ، وَيُكَفَّنُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُدْفَنُ مَعَ المُسْلِمِينَ، وَإِنْ عُقَّ عَنْهُ فَحَسَنٌ.
وَتَمْكُثُ الأُمُّ مُدَّةَ النِّفَاسِ؛ لِعُمُومِ الأَدِلَّةِ، وَلِحَدِيثِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الرَّاكِبُ خَلْفَ الجَنَازَةِ، وَالمَاشِي حَيْثُ شَاءَ مِنْهَا، وَالطِّفْلُ يُصَلَّى عَلَيْهِ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَغَيْرِهِمْ، قَالُوا: يُصَلَّى عَلَى الطِّفْلِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ، بَعْدَ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ خُلِقَ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ". انْتَهَى.
وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الطِّفْلُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا يَرِثُ، وَلَا يُورَثُ حَتَّى يَسْتَهِلَّ». فَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: «هَذَا حَدِيثٌ قَدْ اضْطَرَبَ النَّاسُ فِيهِ»، ثُمَّ ذَكَرَ الاخْتِلَافَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَكَأَنَّ هَذَا - يَعْنِي المَوْقُوفَ - أَصَحُّ مِنَ الحَدِيثِ المَرْفُوعِ.
وَأَمَّا إِنْ سَقَطَ دُونَ الأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ؛ فَإِنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ.
قَالَ ابْنُ المُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ العِلْمِ عَلَى أَنَّ الطِّفْلَ إِذَا عُرِفَتْ حَيَاتُهُ، وَاسْتَهَلَّ صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ، فَقَالَ أَحْمَدُ: إِذَا أَتَى لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ. انْتَهَى.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ العَبْدَرِيُّ: إِنْ كَانَ لَهُ دُونَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ عِنْدَ جُمْهُورِ العُلَمَاءِ، وَقَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُدُ - رَحِمَهُمَا اللهُ -: يُصَلَّى عَلَيْهِ. انْتَهَى.
وَالدَّمُ إِنَّمَا يُعْتَبَرُ نِفَاسًا إِنْ كَانَ جَنِينًا قَدْ تَبَيَّنَ فِيهِ خَلْقُ الإِنْسَانِ.
وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ فِيهِ خَلْقُ الإِنْسَانِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ دَمَ نِفَاسٍ؛ بَلْ هُوَ دَمُ فَسَادٍ يُعَدُّ اسْتِحَاضَةً، إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ أَيَّامَ حَيْضِهَا.
وَأَقَلُّ زَمَنٍ يَتَبَيَّنُ فِيهِ التَّخَلُّقُ وَاحِدٌ وَثَمَانُونَ يَوْمًا.
وَجَاءَ فِي المَوْسُوعَةِ الفِقْهِيَّةِ: أَمَّا إِذَا لَمْ يَسْتَبِنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ؛ فَقَدِ اخْتَلَفَ الفُقَهَاءُ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
القَوْلُ الأَوَّلُ: لِلشَّافِعِيَّةِ: إِنَّ المَرْأَةَ إِذَا أَلْقَتْ مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً خَفِيَتْ عَلَى غَيْرِ القَوَابِلِ، وَقَالَ القَوَابِلُ: إِنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ؛ فَالدَّمُ المَوْجُودُ بَعْدَهُ نِفَاسٌ، وَقَالَ المَالِكِيَّةُ: لَوْ أَلْقَتْ دَمًا اجْتَمَعَ لَا يَذُوبُ بِصَبِّ المَاءِ الحَارِّ عَلَيْهِ، تَنْقَضِي بِهِ العِدَّةُ، وَمَا بَعْدَهُ نِفَاسٌ.
القَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الحَنَفِيَّةِ، فَقَالُوا: إِنَّهُ إِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ مِنْ خَلْقِهِ شَيْءٌ فَلَا نِفَاسَ لَهَا، وَقَالَ الحَنَابِلَةُ: يَثْبُتُ حُكْمُ النِّفَاسِ بِوَضْعِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ خَلْقُ الإِنْسَانِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ المَذْهَبِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فَلَوْ وُضِعَتْ عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً لَا تَخْطِيطَ فِيهَا، لَمْ يَثْبُتْ بِذَلِكَ حُكْمُ النِّفَاسِ. انْتَهَى.