عدد الزوار 150 التاريخ Monday, December 26, 2022 12:58 PM
فَأَجَابَ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى المَيِّتِ بِالمَسْجِدِ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ خَارِجَهُ أَوْلَى؛ فَعَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ؛ أَنَّ عَائِشَةَ أَمَرَتْ أَنْ يَمُرَّ بِجَنَازَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَتُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيَ النَّاسُ! مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى سُهَيْلِ بْنِ الْبَيْضَاءِ إِلَّا فِي المَسْجِدِ.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ: "وَاللَّهِ لَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ابْنَيْ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ، سُهَيْلٍ وَأَخِيهِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، حَدَّثَنِي صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فِي المَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ لَهُ"؛ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي ثُبُوتِهِ وَضَعْفِهِ، وَالأَقْرَبُ أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِمُخَالَفَتِهِ حَدِيثَ عَائِشَةَ، وَالكَلَامُ فِي صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ حَيْثُ اخْتَلَطَ، لَكِنَّ رِوَايَةَ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْهُ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى عَنْهُ أَخِيرًا بَعْدَ الاخْتِلَاطِ كَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ.
قَالَ ابْنُ المَدِينِيِّ: ثِقَةٌ، إِلَّا أَنَّهُ خَرِفَ وَكَبِرَ، فَسَمِعَ مِنْهُ الثَّوْرِيُّ بَعْدَ الخَرَفِ، وَسَمَاعُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا رَوَى عَنْهُ القُدَمَاءُ؛ مِثْلُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَزِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، وَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ بِأَخِرَةٍ وَهُوَ مُخْتَلِطٌ – يَعْنِي - فَهُوَ ضَعِيفٌ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَلَا أَعْرِفُ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا إِذَا رَوَى عَنْهُ ثِقَةٌ، وَحَدَّثَ عَنْهُ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ الاخْتِلَاطِ. انْتَهَى.
وَالحَدِيثُ ضَعَّفَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَابْنُ المُنْذِرِ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَابْنُ حَزْمٍ، وَالخَطَّابِيُّ، وَالبَيْهَقِيُّ، وَابْنُ عَبْدِ البَرِّ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَابْنُ القَطَّانِ، وَغَيْرُهُمْ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: "فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَرَوَاهُ الْمَدَنِيُّونَ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ المَالِكِيُّ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ عَلَى الْمَشْهُورِ عَنْهُ: لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ بِحَدِيثٍ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ: مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَدَلِيلُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ حَدِيثُ سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ، وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ بِأَجْوِبَةٍ؛ أَحَدُهَا: أَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، تَفَرَّدَ بِهِ صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الَّذِي فِي النُّسَخِ الْمَشْهُورَةِ الْمُحَقَّقَةِ الْمَسْمُوعَةِ مِنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ: وَمَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ حِينَئِذٍ فِيهِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ، وَثَبَتَ أَنَّهُ قَالَ: فَلَا شَيْءَ؛ لَوَجَبَ تَأْوِيلُهُ عَلَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِيُجْمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَبَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ، وَقَدْ جَاءَ (لَهُ) بِمَعْنَى (عَلَيْهِ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا".
الرَّابِعُ: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى نَقْصِ الْأَجْرِ فِي حَقِّ مَنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ وَرَجَعَ وَلَمْ يُشَيِّعْهَا إِلَى المَقْبَرَةِ؛ لِمَا فَاتَهُ مِنْ تَشْيِيعِهِ إِلَى الْمَقْبَرَةِ وَحُضُورِ دَفْنِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ".
وَقَالَ ابْنُ القَيِّمِ: وَلَمْ يَكُنْ مِنْ هَدْيِهِ الرَّاتِبِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنَّمَا كَانَ يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، وَرُبَّمَا كَانَ يُصَلِّي أَحْيَانًا عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا «صَلَّى عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ وَأَخِيهِ فِي الْمَسْجِدِ».
وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ سُنَّتَهُ وَعَادَتَهُ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي "سُنَنِهِ" مِنْ حَدِيثِ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ لَهُ»، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ، فَقَالَ الخَطِيبُ فِي رِوَايَتِهِ لِكِتَابِ السُّنَنِ: فِي الْأَصْلِ: "فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ"، وَغَيْرُهُ يَرْوِيهِ: (فَلَا شَيْءَ لَهُ)، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "سُنَنِهِ"، وَلَفْظُهُ: (فَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ)، وَلَكِنْ قَدْ ضَعَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ هَذَا الْحَدِيثَ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: هُوَ مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، وَقَالَ البَيْهَقِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ يُعَدُّ فِي أَفْرَادِ صَالِحٍ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَصَحُّ مِنْهُ، وَصَالِحٌ مُخْتَلَفٌ فِي عَدَالَتِهِ، كَانَ مَالِكٌ يُجَرِّحُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ صُلِّيَ عَلَيْهِمَا فِي الْمَسْجِدِ.
قُلْتُ: وَصَالِحٌ ثِقَةٌ فِي نَفْسِهِ، كَمَا قَالَ عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ عَنِ ابْنِ مَعِينٍ: هُوَ ثِقَةٌ فِي نَفْسِهِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ وَيَحْيَى: ثِقَةٌ حُجَّةٌ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ مَالِكًا تَرَكَهُ، فَقَالَ: إِنَّ مَالِكًا أَدْرَكَهُ بَعْدَ أَنْ خَرِفَ، وَالثَّوْرِيُّ إِنَّمَا أَدْرَكَهُ بَعْدَ أَنْ خَرِفَ، فَسَمِعَ مِنْهُ، لَكِنَّ ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ سَمِعَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَخْرَفَ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: هُوَ ثِقَةٌ إِلَّا أَنَّهُ خَرِفَ وَكَبِرَ، فَسَمِعَ مِنْهُ الثَّوْرِيُّ بَعْدَ الْخَرَفِ، وَسَمَاعُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: تَغَيَّرَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَجَعَلَ يَأْتِي بِمَا يُشْبِهُ الْمَوْضُوعَاتِ عَنِ الثِّقَاتِ، فَاخْتَلَطَ حَدِيثُهُ الْأَخِيرُ بِحَدِيثِهِ الْقَدِيمِ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ، فَاسْتَحَقَّ التَّرْكَ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ، فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْهُ، وَسَمَاعُهُ مِنْهُ قَدِيمٌ قَبْلَ اخْتِلَاطِهِ، فَلَا يَكُونُ اخْتِلَاطُهُ مُوجِبًا لِرَدِّ مَا حَدَّثَ بِهِ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ.
وَقَدْ سَلَكَ الطَّحَاوِيُّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا، وَحَدِيثِ عائشة مَسْلَكًا آخَرَ، فَقَالَ: صَلَاةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ مَنْسُوخَةٌ، وَتَرْكُ ذَلِكَ آخِرُ الْفِعْلَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَلِيلِ إِنْكَارِ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ ذَلِكَ عَلَى عَائِشَةَ، وَمَا كَانُوا لِيَفْعَلُوهُ إِلَّا لِمَا عَلِمُوا خِلَافَ مَا نَقَلْتُ. وَرَدَّ ذَلِكَ عَلَى الطَّحَاوِيِّ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ البَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ. قَالَ البَيْهَقِيُّ: وَلَوْ كَانَ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ نَسْخٌ مَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ؛ لِذِكْرِهِ يَوْمَ صُلِّيَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي الْمَسْجِدِ، وَيَوْمَ صُلِّيَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْمَسْجِدِ، وَلِذِكْرِهِ مَنْ أَنْكَرَ عَلَى عائشة أَمْرَهَا بِإِدْخَالِهِ الْمَسْجِدَ؛ وَلِذِكْرِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ حِينَ رَوَتْ فِيهِ الْخَبَرَ، وَإِنَّمَا أَنْكَرَهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْجَوَازِ. فَلَمَّا رَوَتْ فِيهِ الْخَبَرَ سَكَتُوا وَلَمْ يُنْكِرُوهُ وَلَا عَارَضُوهُ بِغَيْرِهِ.
قَالَ الخَطَّابِيُّ: وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، صُلِّيَ عَلَيْهِمَا فِي الْمَسْجِدِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَامَّةَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ شَهِدُوا الصَّلَاةَ عَلَيْهِمَا، وَفِي تَرْكِهِمُ الْإِنْكَارَ الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنْ ثَبَتَ مُتَأَوَّلًا عَلَى نُقْصَانِ الْأَجْرِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَيْهَا فِي الْمَسْجِدِ، فَالْغَالِبُ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ إِلَى أَهْلِهِ وَلَا يَشْهَدُ دَفْنَهُ، وَأَنَّ مَنْ سَعَى إِلَى الْجِنَازَةِ فَصَلَّى عَلَيْهَا بِحَضْرَةِ الْمَقَابِرِ شَهِدَ دَفْنَهُ، وَأَحْرَزَ أَجْرَ الْقِيرَاطَيْنِ، وَقَدْ يُؤْجَرُ أَيْضًا عَلَى كَثْرَةِ خُطَاهُ، وَصَارَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ مَنْقُوصَ الْأَجْرِ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ.
وَتَأَوَّلَتْ طَائِفَةٌ مَعْنَى قَوْلِهِ: (فَلَا شَيْءَ لَهُ) أَيْ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِيَتَّحِدَ مَعْنَى اللَّفْظَيْنِ، وَلَا يَتَنَاقَضَانِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا)؛ أَيْ: فَعَلَيْهَا، فَهَذِهِ طُرُقُ النَّاسِ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ.
وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا، وَأَنَّ سُنَّتَهُ وَهَدْيَهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ إِلَّا لِعُذْرٍ، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ جَائِزٌ، وَالْأَفْضَلُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ أَيْضًا: لِلْحُفَّاظِ فِي صَالِحٍ هَذَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ؛ ثَالِثُهَا أَحْسَنُهَا، وَهُوَ أَنَّهُ ثِقَةٌ فِي نَفْسِهِ، وَلَكِنْ تَغَيَّرَ بِأَخِرَةٍ، فَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَدِيمًا فَسَمَاعُهُ صَحِيحٌ، وَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ أَخِيرًا فَفِي سَمَاعِهِ شَيْءٌ، فَمِمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ قَدِيمًا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَزِيَادُ بْنُ سَعْدٍ، وَأَدْرَكَهُ مَالِكٌ وَالثَّوْريُّ بَعْدَ اخْتِلَاطِهِ، وَهَذَا مَنْصُوصُ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللهُ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: مَا أَعْلَمُ بَأْسًا بِمَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَدِيمًا. انْتَهَى.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ، عَنِ البُخَارِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: سَمِعَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ مِنْ صَالِحٍ أَخِيرًا، وَرَوَى عَنْهُ مُنْكَرًا.