الإِسْنَادُ المُعَنْعَنُ

(306)
الإِسْنَادُ المُعَنْعَنُ
سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ – حَفِظَهُ اللهُ -: هَلِ الإِسْنَادُ المُعَنْعَنُ مَرْدُودٌ أَوْ مَقْبُولٌ؟ 
فأجاب: الْإِسْنَادُ الْمُعَنْعَنُ، الَّذِي يُقَالُ فِيهِ: فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ، مِنْ قَبِيلِ الْإِسْنَادِ الْمُتَّصِلِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ؛ بَلْ حُكِيَ إِجْمَاعًا.
وَهَذَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ أُضِيفَتِ الْعَنْعَنَةُ إِلَيْهِمْ قَدْ ثَبَتَتْ مُلَاقَاةُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَسَمَاعُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، أَوِ المُعَاصَرَةُ وَإِمْكَانُ اللُّقِيِّ، مَعَ بَرَاءَتِهِمْ مِنْ وَصْمَةِ التَّدْلِيسِ؛ فَحِينَئِذٍ يُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِ الِاتِّصَالِ، إِلَّا أَنْ يَظْهَرَ فِيهِ خِلَافُ ذَلِكَ.
وَقَدْ تُحْمَلُ عَنْعَنَةُ المَوْصُوفِ بِالتَّدْلِيسِ عَلَى الاتِّصَالِ إِذَا كَانَ تَدْلِيسُهُ نَادِرًا، أَوْ رَوَى عَنْ كِبَارِ شُيُوخِهِ المُلَازِمِ لَهُمْ، المُكْثِرِ عَنْهُمْ، أَوْ يُوجَدُ لَهُ تَصْرِيحٌ مُعْتَبَرٌ فِي طَرِيقٍ أَوْ مَصْدَرٍ آخَرَ. 
مِثْالُهُ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ»، «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ».
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ. قَالَ: وَلَمْ يُقَلْ لَهُ: صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ إِنَّ الْأَعْمَشَ دَلَّسَ فِيهِ، فَقَالَ: حَدَّثْتُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قُلْتُ: لَكِنْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ؛ فَانْتَفَتْ تُهْمَةُ تَدْلِيسِهِ".
وَرُبَّمَا نَصَّ أَهْلُ العِلْمِ عَلَى الانْقِطَاعِ فِي الإِسْنَادِ المُعَنْعَنِ، وَقَدْ يُسَمُّونَ الوَاسِطَةَ، قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: رُوِّينَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ يُثَيْعٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنْ وَلَّيْتُمُوهَا أَبَا بَكْرٍ فَقَوِيٌّ أَمِينٌ ..." الْحَدِيثَ. فَهَذَا إِسْنَادٌ إِذَا تَأَمَّلَهُ الْحَدِيثِيُّ وَجَدَ صُورَتَهُ صُورَةَ الْمُتَّصِلِ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ فِي مَوْضِعَيْنِ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ الثَّوْرِيِّ، وَإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنَ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ الْجَنَدِيِّ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ الثَّوْرِيُّ أَيْضًا مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ، إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ.