عدد الزوار 389 التاريخ Wednesday, November 17, 2021 5:07 AM
(294)
عَرْضُ أَعْمَالِ الأَحْيَاءِ عَلَى الأَقَارِبِ الأَمْوَاتِ
سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ - حَفِظَهُ اللهُ -: هَلْ تُعْرَضُ الأَعْمَالُ عَلَى الأَمْوَاتِ الأَقَارِبِ وَيَدْعُونَ لِلْأَحْيَاءِ؟
فَأَجَابَ: الأَحَادِيثُ المَرْفُوعَةُ فِي عَرْضِ أَعْمَالِ الأَحْيَاءِ عَلَى الأَمْوَاتِ مِنْ قَرَابَتِهِمْ وَالدُّعَاءِ لَهُمْ ضَعِيفَةٌ، وَكَذَلِكَ المَوْقُوفَةُ فِيهَا ضَعْفٌ، وَقَدْ صَحَّحَ بَعْضُ العُلَمَاءِ الحَدِيثَ لِشَوَاهِدِهِ، وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ بِتَزَاوُرِ الأَمْوَاتِ وَالاسْتِخْبَارِ عَنِ الأَحْيَاءِ.
رَوَى سُفْيَانُ، عَمَّنْ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَى أَقَارِبِكُمْ وَعَشَائِرِكُمْ مِنَ الْأَمْوَاتِ، فَإِنْ كَانَ خَيْرًا اسْتَبْشَرُوا بِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ، قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُمْ حَتَّى تَهْدِيَهُمْ كَمَا هَدَيْتَنَا). قَالَ الهَيْثَمِيُّ: «رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَفِيهِ رَجُلٌ لَمْ يُسَمَّ».
وَرَوَاهُ الحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَنَسٍ بِهِ، وَأَبَانُ مُتَّهَمٌ.
وَفِي البَابِ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَابِرٍ أَخْرَجَهُ الطَّيَالِسِيُّ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَغَيْرُهُ، وَضَعَّفَهُ العِرَاقِيُّ وَالسَّخَاوِيُّ، وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ مَوْقُوفًا بِسَنَدٍ فِيهِ ضَعْفٌ وَقَدْ حُسِّنَ، وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَوَاهُ الحَاكِمُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، ضَعَّفَهُ العِرَاقِيُّ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ، وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فَأَصَابَ.
وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ، وَضَعَّفَهُ الهَيْثَمِيُّ وَالعِرَاقِيُّ، وَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: "هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَابْنُ عَدِيٍّ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: (إِذَا قُبِضَتْ نَفْسُ الْعَبْدِ تَلَقَّاهُ أَهْلُ الرَّحْمَةِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ كَمَا يَلْقَوْنَ الْبَشِيرَ فِي الدُّنْيَا، فَيُقْبِلُونَ عَلَيْهِ لِيَسْأَلُوهُ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَنْظِرُوا أَخَاكُمْ حَتَّى يَسْتَرِيحَ، فَإِنَّهُ كَانَ فِي كَرْبٍ، فَيُقْبِلُونَ عَلَيْهِ فَيَسْأَلُونَهُ: مَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ مَا فَعَلَتْ فُلَانَةٌ؟ هَلْ تَزَوَّجَتْ؟ فَإِذَا سَأَلُوا عَنِ الرَّجُلِ قَدْ مَاتَ قَبْلَهُ، قَالَ لَهُمْ: إِنَّهُ قَدْ هَلَكَ، فَيَقُولُونَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، ذُهِبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ، فَبِئْسَتِ الْأُمُّ، وَبِئْسَتِ الْمُرَبِيَّةُ، قَالَ: فَيُعْرَضُ عَلَيْهِمْ أَعْمَالُهُمْ، فَإِذَا رَأَوْا حَسَنًا فَرِحُوا وَاسْتَبْشَرُوا، وَقَالُوا: هَذِهِ نِعْمَتُكَ عَلَى عَبْدِكَ فَأَتِمَّهَا، وَإِنْ رَأَوْا سُوءًا قَالُوا: اللَّهُمَّ رَاجِعْ بِعَبْدِكِ). وَقَدْ جَوَّدَ إِسْنَادَهُ العِرَاقِيُّ، وَصَحَّحَهُ غَيْرُهُ.
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَوْقُوفًا.
وَمَنْ صَحَّحَ المَوْقُوفَ رَأَى أَنَّ لَهُ حُكْمَ الرَّفْعِ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يُقَالُ مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (إِذَا حُضِرَ الْمُؤْمِنُ أَتَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ بِحَرِيرَةٍ بَيْضَاءَ، فَيَقُولُونَ: اخْرُجِي رَاضِيَةً مَرْضِيًّا عَنْكِ، إِلَى رَوْحِ اللَّهِ وَرَيْحَانٍ، وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ، فَتَخْرُجُ كَأَطْيَبِ رِيحِ الْمِسْكِ، حَتَّى إنَّهُ لَيُنَاوِلُهُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ بَابَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُونَ: مَا أَطْيَبَ هَذِهِ الرِّيحَ الَّتِي جَاءَتْكُمْ مِنَ الْأَرْضِ، فَيَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَهُمْ أَشَدُّ فَرَحًا بِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ بِغَائِبِهِ يَقْدَمُ عَلَيْهِ، فَيَسْأَلُونَهُ: مَاذَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ مَاذَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ فَيَقُولُونَ: دَعُوهُ فَإِنَّهُ كَانَ فِي غَمِّ الدُّنْيَا، فَإِذَا قَالَ: أَمَا أَتَاكُمْ؟ قَالُوا: ذُهِبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا احْتُضِرَ أَتَتْهُ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ بِمِسْحٍ، فَيَقُولُونَ: اخْرُجِي سَاخِطَةً مَسْخُوطًا عَلَيْكِ، إِلَى عَذَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، فَتَخْرُجُ كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ، حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ بَابَ الْأَرْضِ، فَيَقُولُونَ: مَا أَنْتَنَ هَذِهِ الرِّيحَ، حَتَّى يَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ). رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَالبَزَّارُ، وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَالبَيْهَقِيُّ، وَجَوَّدَ إِسْنَادَهُ العِرَاقِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَغَيْرُهُ.
قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: "وَأَرْوَاحُ الْأَحْيَاءِ إذَا قُبِضَتْ تَجْتَمِعُ بِأَرْوَاحِ الْمَوْتَى، وَيَسْأَلُ الْمَوْتَى الْقَادِمَ عَلَيْهِمْ عَنْ حَالِ الْأَحْيَاءِ، فَيَقُولُونَ: مَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانٌ تَزَوَّجَ، فُلَانٌ عَلَى حَالٍ حَسَنَةٍ. وَيَقُولُونَ: مَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ فَيَقُولُ: أَلَمْ يَأْتِكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: لَا؛ ذُهِبَ بِهِ إلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ".
وَقَالَ ابْنُ القَيِّمِ: "الْأَرْوَاحُ قِسْمَانِ: أَرْوَاحٌ مُعَذَّبَةٌ، وَأَرْوَاحٌ مُنَعَّمَةٌ؛ فَالمُعَذَّبَةُ فِي شُغْلٍ بِمَا هِيَ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ عَنِ التَّزَاوُرِ وَالتَّلَاقِي، وَالأَرْوَاحُ المُنَعَّمَةُ الْمُرْسلَةُ غَيْرُ المَحْبُوسَةِ تَتَلَاقَى وَتَتَزَاوَرُ وَتَتَذَاكَرُ مَا كَانَ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا، وَمَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا".