عدد الزوار 116 التاريخ Saturday, October 23, 2021 6:43 AM
فأجاب: قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ۖ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، إلَّا عَلَى زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا». فَالوَاجِبُ عَلَى مَنْ تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَلَيْسَتْ حَامِلًا، أَنْ تَعْتَدَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، فَتَخْرُجَ بِغُرُوبِ شَمْسِ اليَوْمِ العَاشِر.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ، مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، قَالَتْ: «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْيَوْمَ الثَّالِثَ مِنْ قَتْلِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: لَا تُحِدِّي بَعْدَ يَوْمِكِ هَذَا». قَالَ الْعِرَاقِيُّ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِحْدَادُ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا بَعْدَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ كَانَتْ زَوْجَ جَعْفَرٍ بِالِاتِّفَاقِ، وَهِيَ وَالِدَةُ أَوْلَادِهِ، قَالَ: بَلْ ظَاهِرُ النَّهْيِ أَنَّ الْإِحْدَادَ لَا يَجُوزُ. وَأَجَابَ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ. وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِهِ. وَقَدْ أَعَلَّ الْبَيْهَقِيُّ الْحَدِيثَ بِالِانْقِطَاعِ، فَقَالَ: لَمْ يَثْبُتْ سَمَاعُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ مِنْ أَسْمَاءَ. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ قَدْ صَحَّحَهُ أَحْمَدُ، وَقَدْ وَرَدَ مَعْنَى حَدِيثِ أَسْمَاءَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: "لَا إحْدَادَ فَوْقَ ثَلَاثٍ". قَالَ أَحْمَدُ: هَذَا مُنْكَرٌ، وَالْمَعْرُوفُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ رَأْيِهِ.
وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ أَسْمَاءَ مَحْفُوظًا، فَيُحْمَلُ عَلَى وَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ المُحْتَمَلَةِ الَّتِي لَا تَتَعَارَضُ مَعَ الآيَةِ وَحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ. وَاللهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَتَجْتَنِبُ الزَّوْجَةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا الطِّيبَ وَالزِّينَةَ وَالْبَيْتُوتَةَ فِي غَيْرِ مَنْزِلِهَا، وَالْكُحْلَ بِالْإِثْمِدِ، وَالنِّقَابَ، هَذَا يُسَمَّى الْإِحْدَادَ، وَلَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي وُجُوبِهِ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، إلَّا عَنْ الْحَسَنِ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَجِبُ الْإِحْدَادُ. وَهُوَ قَوْلٌ شَذَّ بِهِ عن أَهْل الْعِلْمِ، وَخَالَفَ بِهِ السُّنَّةَ، فَلَا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ. انتهى.