عدد الزوار 134 التاريخ Saturday, October 23, 2021 6:43 AM
فأجاب: لَا يَجُوزُ لِلْمُحْتَدَّةِ أَنْ تَكْتَحِلَ إِلَّا لِضَرُورَةٍ لَا تَنْدَفِعُ إِلَّا بِالكُحْلِ، فَتَضَعُهُ بِاللَّيْلِ وَتُزِيلُهُ بِالنَّهَارِ؛ فَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «أَنَّ امْرَأَةً تُوُفِّيَ زَوْجُهَا فَخَشَوْا عَلَى عَيْنِهَا، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَأْذَنُوهُ فِي الْكُحْلِ، فَقَالَ: لَا تَكْتَحِلْ، كَانَتْ إحْدَاكُنَّ تَمْكُثُ فِي شَرِّ أَحْلَاسِهَا أَوْ شَرِّ بَيْتِهَا، فَإِذَا كَانَ حَوْلٌ فَمَرَّ كَلْبٌ رَمَتْ بِبَعْرَةٍ، فَلَا حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الِاكْتِحَالِ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي أَيَّامِ عِدَّتِهَا مِنْ مَوْتِ زَوْجِهَا، سَوَاءٌ احْتَاجَتْ إلَى ذَلِكَ أَمْ لَا.
وَجَاءَ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ: "اجْعَلِيهِ بِاللَّيْلِ، وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ"، وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ: "فَتَكْتَحِلِينَ بِاللَّيْلِ، وَتَغْسِلِينَهُ بِالنَّهَارِ".
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، أَنَّهَا إذَا لَمْ تَحْتَجْ إلَيْهِ لَا يَحِلُّ. وَإِذَا احْتَاجَتْ لَمْ يَجُزْ بِالنَّهَارِ، وَيَجُوزُ بِاللَّيْلِ، مَعَ أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ؛ فَإِذَا فَعَلَتْ مَسَحَتْهُ بِالنَّهَارِ. وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ الْبَابِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْخَوْفُ عَلَى عَيْنِهَا. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ فِي حَدِيثِ الْبَابِ الْمَذْكُورِ: "فَخَشَوْا عَلَى عَيْنِهَا"، فِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَنْدَهْ: "وَقَدْ خَشِيَتْ عَلَى بَصَرِهَا"، وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حَزْمٍ: "إِنِّي أَخْشَى أَنْ تَنْفَقِئَ عَيْنُهَا. قَالَ: لَا، وَإِنْ انْفَقَأَتْ". قَالَ الْحَافِظُ: وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ. وَلِهَذَا قَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ بِمَنْعِهِ مُطْلَقًا. وَعَنْهُ: يَجُوزُ إذَا خَافَتْ عَلَى عَيْنِهَا بِمَا لَا طِيبَ فِيهِ، وَبِهِ قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ مُقَيَّدًا بِاللَّيْلِ. وَأَجَابُوا عَنْ قِصَّةِ الْمَرْأَةِ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ يَحْصُلُ لَهَا الْبُرْءُ بِغَيْرِ كُحْلٍ كَالتَّضْمِيدِ بِالصَّبْرِ. وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَ النَّهْيَ عَلَى كُحْلٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ مَا يَقْتَضِي التَّزَيُّنَ بِهِ؛ لِأَنَّ مَحْضَ التَّدَاوِي قَدْ يَحْصُلُ بِمَا لَا زِينَةَ فِيهِ، فَلَمْ يَنْحَصِرْ فِيمَا فِيهِ زِينَةٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ فِيهِ طِيبٌ، وَحَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى التَّنْزِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ. انتهى.