عدد الزوار 170 التاريخ Saturday, October 23, 2021 6:33 AM
فَأَجَابَ: يَجُوزُ تَصْوِيرُ مَا لَا رُوحَ فِيهِ، كَالشَّجَرِ وَالثَّمَرِ وَالحَجَرِ وَغَيْرِهَا عَلَى القَوْلِ الرَّاجِحِ، وَهُوَ رَأْيُ عَامَّةِ أَهْلِ العِلْمِ، وَفِي المَسْأَلَةِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ؛ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: إِنِّي رَجُلٌ أُصَوِّرُ هَذِهِ الصُّوَرَ، فَأَفْتِنِي فِيهَا، فَقَالَ لَهُ: ادْنُ مِنِّي. فَدَنَا مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: ادْنُ مِنِّي. فَدَنَا حَتَّىَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَىَ رَأْسِهِ، قَالَ: أُنَبِّئُكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ، يَجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسًا، فَتُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ". وَقَالَ: إنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَاصْنَعِ الشَّجَرَ، وَمَا لاَ نَفْسَ لَهُ".
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: "كَذَا أَطْلَقَ، وَظَاهِرُهُ التَّعْمِيمُ، فَيَتَنَاوَلُ صُورَةَ مَا لَا رُوحَ فِيهِ، لَكِنَّ الَّذِي فَهِمَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ التَّخْصِيصَ بِصُورَةِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ مِنْ قَوْلِهِ: "كُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحُ" فَاسْتَثْنَى مَا لَا رُوحَ فِيهِ كَالشَّجَرِ". انتهى.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: "وَلِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِ الْحَيَوَانِ، فَيَجُوزُ تَصْوِيرُ صُورَةِ الشَّجَرِ وَالْمَعَادِنِ فِي الثِّيَابِ وَالْحِيطَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "مَنْ صَوَّرَ صُورَةً، كُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ"، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِلْمُسْتَفْتِي الَّذِي اسْتَفْتَاهُ: "صَوِّرِ الشَّجَرَ، مَا لَا رُوحَ فِيهِ".
وَفِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لَهُ فِي الصُّورَةِ: "فَمُرْ بِالرَأْسِ فَلْيُقْطَعْ"؛ وَلِهَذَا نَصَّ الْأَئِمَّةُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالُوا: "الصُّورَةُ هِيَ الرَّأْسُ، لَا يَبْقَى فِيهَا رُوحٌ، فَيَبْقَى مِثْلُ الْجَمَادَاتِ". انتهى.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: "قُلْتُ: وَقَدْ يُسْتَدَلُ مِنْ هَذَا - يَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى: "مَّا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا" عَلَى مَنْعِ تَصْوِيرِ شَيْءٍ، سَوَاءٌ كَانَ لَهُ رُوحٌ أَمْ لَمْ يَكُنْ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ. وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً، أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً، أَوْ شَعِيرَةً". رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - ... فَذَكَرَهُ، فَعَمَّ بِالذَّمِ وَالتَّهْدِيدِ وَالتَّقْبِيحِ كُلَّ مَنْ تَعَاطَى تَصْوِيرَ شَيْءٍ مِمَّا خَلَقَهُ اللَّهُ، وَضَاهَاهُ فِي التَّشْبِيهِ فِي خَلْقِهِ، فِيمَا انْفَرَدَ بِهِ سُبْحَانَهُ مِنَ الْخَلْقِ وَالِاخْتِرَاعِ، هَذَا وَاضِحٌ.
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ تَصْوِيرَ مَا لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ يَجُوزُ هُوَ وَالِاكْتِسَابُ بِهِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِلَّذِي سَأَلَ أَنْ يَصْنَعَ الصُّوَرَ: إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَاصْنَعْ الشَّجَرَ وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ". خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا. وَالْمَنْعُ أَوْلَى - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لِمَا ذَكَرْنَا". انتهى.