عدد الزوار 170 التاريخ Wednesday, August 25, 2021 8:04 AM
فَأَجَابَ: ثَبَتَ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يَقُولُ: «مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ، فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ». رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ طُرُقٍ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَحَسَّنَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُرَفَّعِ، قَالَ: «غَزَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ فِي أَلْفٍ وَثَمَانِمِائَةٍ، فَافْتَتَحَهَا وَهِيَ مُخْضَرَّةٌ مِنَ الْفَوَاكِهِ، فَوَقَعَ النَّاسُ فِيهَا، فَغَشِيَتْهُمُ الْحُمَّى، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: "إِنَّ الْحُمَّى رَائِدُ الْمَوْتِ، وَهِيَ سِجْنُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ، فَبَرِّدُوا لَهَا الْمَاءَ فِي الشِّنَانِ، وَصُبُّوهُ عَلَيْكُمْ فِيمَا بَيْنَ الْأَذَانَيْنِ: أَذَانِ الْمَغْرِبِ وَأَذَانِ الْعِشَاءِ". فَفَعَلُوا، فَذَهَبَتْ عَنْهُمْ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرُوهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: "إِنَّهُ لَا وِعَاءَ إِذَا مُلِئَ شَرٌّ مِنْ بَطْنٍ، فَإِنْ كُنْتُمْ لَا بُدَّ فَاعِلِينَ، فَاجْعَلُوهَا ثُلُثًا لِلطَّعَامِ، وَثُلُثًا لِلشَّرَابِ، وَثُلُثًا لِلرِّيحِ أَوِ النَّفَسِ". قَالَ: وَقَسَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا». رَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ فِي "مُعْجَمِهِ". وَقَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَفِيهِ الْمُحَبَّرُ بْنُ هَارُونَ وَلَمْ أَعْرِفْهُ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ.
وَالحَدِيثُ مِنْ جَوَامِعِ الكَلِمِ وَكُلِّيَّاتِ الطِّبِّ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَاسَوَيْهِ الطَّبِيبَ، لَمَّا قَرَأَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي "كِتَابِ" أَبِي خَيْثَمَةَ، قَالَ: لَوِ اسْتَعْمَلَ النَّاسُ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ، سَلِمُوا مِنَ الْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ، وَلَتَعَطَّلَتِ الْمَارِسْتَانَاتُ وَدَكَاكِينُ الصَّيَادِلَةِ.
فتوى
سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ – حَفِظَهُ اللهُ -: كَيْفَ الجَمْعُ بَيْنَ حَدِيثِ: "مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ"، وَقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، مَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكًا"؟.
فَأَجَابَ: الحَدِيثَانِ صَحِيحَانِ. رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ – وَصَحَّحَهُ – وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ، فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ».
وَقَالَ البُخَارِيُّ: بَابٌ: كَيْفَ كَانَ عَيْشُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ، وَتَخَلِّيهِمْ مِنَ الدُّنْيَا. حَدَّثَنِي أَبُو نُعَيْمٍ - بِنَحْوٍ مِنْ نِصْفِ هَذَا الحَدِيثِ -، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، كَانَ يَقُولُ: أَللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنْ كُنْتُ لَأَعْتَمِدُ بِكَبِدِي عَلَى الأَرْضِ مِنَ الجُوعِ، وَإِنْ كُنْتُ لَأَشُدُّ الحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنَ الجُوعِ، وَلَقَدْ قَعَدْتُ يَوْمًا عَلَى طَرِيقِهِمُ الَّذِي يَخْرُجُونَ مِنْهُ، فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، مَا سَأَلْتُهُ إِلَّا لِيُشْبِعَنِي، فَمَرَّ وَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بِي عُمَرُ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، مَا سَأَلْتُهُ إِلَّا لِيُشْبِعَنِي، فَمَرَّ فَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بِي أَبُو القَاسِمِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآنِي، وَعَرَفَ مَا فِي نَفْسِي وَمَا فِي وَجْهِي، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا هِرٍّ»، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «الْحَقْ»، وَمَضَى فَتَبِعْتُهُ، فَدَخَلَ، فَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنَ لِي، فَدَخَلَ، فَوَجَدَ لَبَنًا فِي قَدَحٍ، فَقَالَ: «مِنْ أَيْنَ هَذَا اللَّبَنُ؟» قَالُوا: أَهْدَاهُ لَكَ فُلَانٌ أَوْ فُلَانَةُ، قَالَ: «أَبَا هِرٍّ»، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «الْحَقْ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ لِي» قَالَ: وَأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ الإِسْلَامِ، لاَ يَأْوُونَ إِلَى أَهْلٍ وَلاَ مَالٍ وَلاَ عَلَى أَحَدٍ، إِذَا أَتَتْهُ صَدَقَةٌ بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ، وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئًا، وَإِذَا أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ، وَأَصَابَ مِنْهَا، وَأَشْرَكَهُمْ فِيهَا، فَسَاءَنِي ذَلِكَ، فَقُلْتُ: وَمَا هَذَا اللَّبَنُ فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ؟!، كُنْتُ أَحَقُّ أَنَا أَنْ أُصِيبَ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ شَرْبَةً أَتَقَوَّى بِهَا، فَإِذَا جَاءَ أَمَرَنِي، فَكُنْتُ أَنَا أُعْطِيهِمْ، وَمَا عَسَى أَنْ يَبْلُغَنِي مِنْ هَذَا اللَّبَنِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُدٌّ، فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ فَأَقْبَلُوا، فَاسْتَأْذَنُوا فَأَذِنَ لَهُمْ، وَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِنَ البَيْتِ، قَالَ: «يَا أَبَا هِرٍّ»، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «خُذْ فَأَعْطِهِمْ»، قَالَ: فَأَخَذْتُ القَدَحَ، فَجَعَلْتُ أُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ القَدَحَ، فَأُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ القَدَحَ، فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ القَدَحَ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ رَوِيَ القَوْمُ كُلُّهُمْ، فَأَخَذَ القَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ، فَنَظَرَ إِلَيَّ فَتَبَسَّمَ، فَقَالَ: «أَبَا هِرٍّ»، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «بَقِيتُ أَنَا وَأَنْتَ» قُلْتُ: صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «اقْعُدْ فَاشْرَبْ»، فَقَعَدْتُ فَشَرِبْتُ، فَقَالَ: «اشْرَبْ» فَشَرِبْتُ، فَمَا زَالَ يَقُولُ: «اشْرَبْ» حَتَّى قُلْتُ: لاَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، مَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكًا، قَالَ: «فَأَرِنِي»، فَأَعْطَيْتُهُ القَدَحَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَسَمَّى، وَشَرِبَ الفَضْلَةَ.
فَحَدِيثُ المِقْدَامِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَنْهَجًا غِذَائِيًّا لِلْإِنْسَانِ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ يُحْمَلُ عَلَى جَوَازِ الشِّبَعِ غَيْرِ المُضِرِّ، وَأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنَ الامْتِلَاءِ أَحْيَانًا أَوْ لِمُنَاسَبَةٍ.
وَفِي كِتَابِ "تُحْفَةِ الأَحْوَذِيّ": "وَيَحْرُمُ الْأَكْلُ فَوْقَ الشِّبَعِ". وَقَالَ الْمَرْوَذِيُّ: جَعَلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ - يَعْنِي الإِمَامَ أَحْمَدَ -: يُعَظِّمُ أَمْرَ الْجُوعِ وَالْفَقْرِ، فَقُلْتُ لَهُ: يُؤْجَرُ الرَّجُلُ فِي تَرْكِ الشَّهَوَاتِ، فَقَالَ: وَكَيْفَ لَا يُؤْجَرُ، وَابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: مَا شَبِعْتُ مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ؟ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: يَجِدُ الرَّجُلُ مِنْ قَلْبِهِ رِقَّةً وَهُوَ يَشْبَعُ؟ قَالَ: مَا أَرَى.
وَرَوَى الْمَرْوَذِيُّ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عُمَرَ: أَلَا أَجِيئُكَ بِجَوَارِشَ؟ قَالَ: وَأَيُّ شَيْءٍ هُوَ؟ قَالَ: شَيْءٌ يَهْضِمُ الطَّعَامَ إِذَا أَكَلْتَهُ، قَالَ: مَا شَبِعْتُ مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَلَيْسَ ذَاكَ أَنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ أَدْرَكْتُ أَقْوَامًا يَجُوعُونَ أَكْثَرَ مِمَّا يَشْبَعُونَ.