عدد الزوار 168 التاريخ Wednesday, August 25, 2021 7:41 AM
فأجاب: لَا يَصِحُّ حَدِيثٌ فِي شَدِّ الرِّحَالِ وَإِعْمَالِ المَطِيِّ وَالسَّفَرِ لِزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ - ﷺ - وَلَا قَبْرِ غَيْرِهِ، فَكُلُّهَا أَحَادِيثُ ضَعِيفَةٌ مُنْكَرَةٌ؛ بَلْ مَوْضُوعَةٌ مَكْذُوبَةٌ، لَا يَزِيدُهَا تَعَدُّدُ طُرُقِهَا وَشَوَاهِدِهَا إِلَّا وَهْنًا، وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ النَّاهِيَةِ عَنْ ذَلِكَ، كَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ -: (لَا تَشُدُّوا الرِّحَالَ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
وَإِنَّمَا المَشْرُوعُ الزِّيَارَةُ دُونَ السَّفَرِ إِلَيْهَا، وَالسُّنَّةُ السَّلَامُ عَلَى أَصْحَابِهَا وَالدُّعَاءُ لَهُمْ، وَالبِدْعَةُ الاسْتِغَاثَةُ بِأَهْلِهَا وَطَلَبُ المَدَدِ مِنْهُمْ، وَسُؤَالُهُمُ الشَّفَاعَةَ وَقَضَاءَ الحَاجَاتِ وَتَفْرِيجَ الكُرُبَاتِ وَإِغَاثَةَ اللَّهَفَاتِ؛ فَهَذِهِ الأَعْمَالُ مُحْدَثَةٌ لَيْسَتْ مِنَ الإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا أَمْرُ السَّلَفِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.
وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه - ﷺ -: (كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ القُبُورِ فَزُورُوهَا). رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِلتِّرْمِذِيِّ: (فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ).
وَعَنْهُ، قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ - ﷺ - يُعَلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى المَقَابِرِ أَنْ يَقُولَ قَائِلُهُم: السَّلَامُ عَلَيكُمْ أَهْلَ الدِّيارِ مِنَ المُؤْمِنِينَ والمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، أَسْأَلُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمُ العَافِيَةَ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَأَقْوَى حَدِيثٍ يَسْتَدِلُّ بِهِ أَهْلُ الأَهْوَاءِ وَالزِّيَارَةِ البِدْعِيَّةِ، حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: (مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي). رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالبَيْهَقِيُّ، وَهُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لَا يَصِحُّ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الحَدِيثِ، وَفَضْلًا عَنْ أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ، لَمْ يَذْكُرْ إِلَّا الزِّيَارَةَ، وَالزِّيَارَةُ عَلَى الوَجْهِ المَشْرُوعِ مِنْ غَيْرِ سَفَرٍ مُسْتَحَبَّةٌ، وَمَنْ قَالَ مِنَ العُلَمَاءِ: يَجُوزُ السَّفَرُ لِزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ - ﷺ - عَلَى الوَجْهِ المَشْرُوعِ، فَلَيْسَ عُمْدَتُهُ هَذَا الحَدِيثَ المُنْكَرَ.
سُئِلَ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ النُّمَيُّ – حَفِظَهُ اللهُ -: مَا هِيَ عُمْدَةُ مَنْ يَأْتِي إِلَى قَبْرِ النَّبِيِّ - ﷺ -، وَيَرْتَكِبُ المُحْدَثَاتِ وَالبِدَعَ؟
فأجاب: عُمْدَةُ أَهْلِ الأَهْوَاءِ وَالبِدَعِ وَالضَّلَالَاتِ فِي المُحْدَثَاتِ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ - ﷺ - هُوَ مَا يُمْلِيهِ عَلَيْهِمْ شَيَاطِينُ الإِنْسِ وَالجِنِّ مِنَ الأَحَادِيثِ البَاطِلَةِ وَالمَوْضُوعَةِ؛ مِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: (مَنْ جَاءَنِي زَائِرًا لَمْ تَنْزِعْهُ حَاجَةٌ إِلَّا زِيَارَتِي، كَانَ حَقًّا عَلَيَّ أَنْ أَكُونَ لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ القِيَامَةِ). رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ.
- وَحَدِيثِهِ الآخَرِ: (مَنْ حَجَّ فَزَارَ قَبْرِي بَعْدَ وَفَاتِي، فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي). رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ.
- وَحَدِيثِهِ الآخَرِ: (مَنْ حَجَّ البَيْتَ وَلَمْ يَزُرْنِي فَقَدْ جَفَانِي). رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ وَغَيْرُهُ.
- وَحَدِيثِ رَجُلٍ مِنْ آلِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا: (مَنْ زَارَ قَبْرِي - أَوْ قَالَ: مَنْ زَارَنِي - كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا، وَمَنْ مَاتَ فِي أَحَدِ الحَرَمَيْنِ بَعَثَهُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنَ الآمِنِينَ يَوْمَ القِيَامَةِ). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، وَرَوَاهُ العُقَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ الخَطَّابِ يَرْفَعُهُ: (مَنْ زَارَنِي مُتَعَمِّدًا كَانَ فِي جِوَارِي يَوْمَ القِيَامَةِ).
- وَحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: (مَنْ حَجَّ حَجَّةَ الإِسْلَامِ، وَزَارَ قَبْرِي، وَغَزَا غَزْوَةً، وَصَلَّى عَلَيَّ فِي بَيْتِ المَقْدِسِ؛ لَمْ يَسْأَلْهُ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِيمَا افْتَرَضَ عَلَيْهِ). رَوَاهُ أَبُو الفَتْحِ الأَزْدِيُّ.
- وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: (مَنْ زَارَنِي بَعْدَ مَوْتِي فَكَأَنَّمَا زَارَنِي وَأَنَا حَيٌّ، وَمَنْ زَارَنِي كُنْتُ لَهُ شَهِيدًا أَوْ شَفِيعًا يَوْمَ القِيَامَةِ). رَوَاهُ أَبُو الفُتُوحِ.
- وَحَدِيثِ أَنَسٍ: (مَنْ زَارَنِي مُحْتَسِبًا إِلَى المَدِينَةِ كَانَ فِي جِوَارِي يَوْمَ القِيَامَةِ). رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ.
- وَحَدِيثِهِ الآخَرِ: (مَنْ زَارَنِي مَيِّتًا فَكَأَنَّمَا زَارَنِي حَيًّا، وَمَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أُمَّتِي لَهُ سَعَةٌ ثُمَّ لَمْ يَزُرْنِي فَلَيْسَ لَهُ عُذْرٌ). رَوَاهُ ابْنُ النَّجَّارِ.
- وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (مَنْ زَارَنِي فِي مَمَاتِي كَانَ كَمَنْ زَارَنِي فِي حَيَاتِي، وَمَنْ زَارَنِي حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى قَبْرِي كُنْتُ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ شَهِيدًا، أَوْ قَالَ: شَفِيعًا). رَوَاهُ العُقَيْلِيُّ، وَابْنُ عَسَاكِرَ.
- وَحَدِيثِ عَلِيٍّ: (مَنْ زَارَ قَبْرِي بَعْدَ مَوْتِي فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي، وَمَنْ لَمْ يَزُرْنِي فَقَدْ جَفَانِي). رَوَاهُ الحُسَيْنِيُّ.
- وَحَدِيثِ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: (مَنْ أَتَى المَدِينَةَ زَائِرًا لِي، وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَنْ مَاتَ فِي أَحَدِ الحَرَمَيْنِ بُعِثَ آمِنًا). وَهُوَ مُرْسَلٌ بَاطِلٌ.
وَأَقْوَى سَنَدٍ لَهُمْ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: (مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي). رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالبَيْهَقِيُّ، وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ مُنْكَرٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الحَدِيثِ، وَلَا مُتَعَلَّقَ فِيهِ لِأَهْلِ الأَهْوَاءِ، فَالزِّيَارَةُ المَشْرُوعَةُ مِنْ غَيْرِ شَدِّ رَحْلٍ وَلَا بِدْعَةٍ وَشِرْكٍ: مُسْتَحَبَّةٌ.
وَقَدْ أَجَابَ عَنْ تِلْكَ الأَحَادِيثِ، وَبَيَّنَ وَهْنَهَا وَوَضْعَهَا، ابْنُ عَبْدِ الهَادِي فِي كِتَابِهِ: "الصَّارِمُ المُنْكِي فِي الرَّدِّ عَلَى السُّبْكِي". وَشَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَغَيْرُهُمَا.