عدد الزوار 260 التاريخ 01/01/2021
فَأَجَابَ: رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَصُومُ عَاشُورَاءَ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنَ الشَّهْرِ، أَو الِاثْنَيْنِ مِنَ الشَّهْرِ وَالْخَمِيسَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُمْ.
وَعَنْ حَفْصَةَ، قَالَتْ: «أَرْبَعٌ لَمْ يَكُنْ يَدَعُهُنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صِيَامَ عَاشُورَاءَ، وَالْعَشْرَ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَالرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ، وَأَخَذَ بِهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ.
وَالحَدِيثُ فِيهِ اضْطِرَابٌ وَاخْتِلَافٌ فِي سَنَدِهِ وَمَتْنِهِ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا الاخْتِلَافِ الدَّارَقُطْنِيَّ، وَضَعَّفَ الحَدِيثَ الزَّيْلَعِيُّ، فَإِنْ صَحَّ كَانَ نَصًّا فِي صِيَامِ تِسْعِ ذِي الحِجَّةِ، وَصَرِيحًا فِي كَوْنِهِ سُنَّةً، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَصِيَامُ تِسْعِ ذِي الحِجَّةِ مُسْتَحَبٌّ؛ لِدُخُولِهِ فِي العَمَلِ الصَّالِحِ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: (مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ - يَعْنِي أَيَّامَ العَشْرِ- قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ، قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ). رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
وَأَمَّا الجَمْعُ بَيْنَ حَدِيثِ حَفْصَةَ وَقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: (مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَيُقَالُ: إِنَّ صِيَامَ يَوْمِ عَرَفَةَ لِغَيْرِ الحَاجِّ مُسْتَحَبٌّ؛ لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي نَفْيِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، ثُمَّ إِنَّ المُثْبِتَ مَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ، فَيُقَدَّمُ عَلَى النَّافِي، وَإِنْ كَانَ يَبْعُدُ أَنْ يَخْفَى مِثْلُ هَذَا عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصُومُ عَامًا دُونَ عَامٍ.
وَعَدَمُ صَومِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِسْعَ ذِي الحِجَّةِ لَا يَعْنِي أَنَّ صِيَامَهَا بِدْعَةٌ، أَوْ خِلَافُ الأَفْضَلِ وَالأَوْلَى؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ لِلصِّيَامِ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ الاحْتِمَالُ، كَأَنْ يَخْشَى أَنْ يُفْرَضَ عَلَى أُمَّتِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ انْشَغَلَ عَنِ الصِّيَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَقَدْ صَامَهَا ابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ مِنَ السَّلَفِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: "فَلَيْسَ فِي صَوْمِ هَذِهِ التِّسْعَةِ كَرَاهَةٌ؛ بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ اسْتِحْبَابًا شَدِيدًا ... فَيُتَأَوَّلُ قَوْلُهَا: لَمْ يَصُمِ العَشْرَ، أَنَّهُ لَمْ يَصُمْهُ لِعَارِضِ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، أَوْ أَنَّهَا لَمْ تَرَهُ صَائِمًا فِيهِ".
وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ: "وَمِمَّنْ كَانَ يَصُومُ العَشْرَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنِ الحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَقَتَادَةَ: ذِكْرُ فَضْلِ صِيَامِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ العُلَمَاءِ أَوْ كَثِيرٍ مِنْهُمْ. وَقَدِ اخْتَلَفَ جَوَابُ الإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، فَأَجَابَ مَرَّةً بِأَنَّهُ قَدْ رَوَى خِلَافَهُ، وَذَكَرَ حَدِيثَ حَفْصَةَ، وَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي إِسْنَادِ حَدِيثِ عَائِشَةَ، فَأَسْنَدَهُ الأَعْمَشُ، وَرَوَاهُ مَنْصُورٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ مُرْسَلًا. وَأَجَابَ أَحْمَدُ مَرَّةً أُخْرَى بِأَنَّ عَائِشَةَ أَرَادَتْ أَنَّهُ لَمْ يَصُمِ العَشْرَ كَامِلًا؛ يَعْنِي وَحَفْصَةُ أَرَادَتْ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ غَالِبَهُ".