عدد الزوار 110 التاريخ 01/01/2021
فأجاب: سُئِلَ الشَّيْخُ ابْنُ عُثَيْمِينَ (رَحِمَهُ اللهُ) عن هذا، فقال:
(إِنَّ هَذَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَخِلَافُ السُّنَّةِ، وَأَنَّهُ يَكْفِي لِلْبَيْتِ أُضْحِيَةٌ وَاحِدَةٌ، تَشْمَلُ أَهْلَ البَيْتِ الوَاحِدِ كُلَّهُمْ، وَيَقُولُ - رَحِمَهُ اللهُ -: فَنَجِدُ أَحْيَانًا الزَّوْجَ يُضَحِّي عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَتَأْتِي زَوْجَتُهُ وَتَقُولُ: أُرِيدُ أَنْ أُضَحِّيَ أَنَا أَيْضًا، وَتَأْتِي أُخْتُهُ وَتَقُولُ: أُرِيدُ أَنْ أُضَحِّيَ، ثُمَّ تَأْتِي البِنْتُ وَتَقُولُ: أُرِيدُ أَنْ أُضَحِّيَ، فَتَجْتَمِعُ فِي البَيْتِ الوَاحِدِ ضَحَايَا مُتَعَدِّدَةٌ، وَهَذَا خِلَافُ مَا عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ، فَإِنَّ أَكْرَمَ الخَلْقِ مُحَمَّدًا - ﷺ - لَمْ يُضَحِّ إِلَّا بِوَاحِدَةٍ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ لَهُ تِسْعَ نِسَاءٍ؛ يَعْنِي تِسْعَةَ بُيُوتٍ، وَمَعَ ذَلِكَ مَا ضَحَّى إِلَّا بِوَاحِدَةٍ عَنْهُ، وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَضَحَّى بِأُخْرَى عَنْ أُمَّتِهِ - ﷺ -، وَكَانَ الصَّحَابَةُ يُضَحِّي الرَّجُلُ مِنْهُمْ بِالشَّاةِ الوَاحِدَةِ عَنْهُ، وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ.
فَمَا عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ اليَوْمَ فَهُوَ إِسْرَافٌ، وَنَقُولُ لِهَؤُلَاءِ الذِينَ يُضَحُّونَ بِهَذِهِ الضَّحَايَا، إِذَا كَانَ عِنْدَكُمْ فَضْلُ مَالٍ، فَهُنَاكَ أُنَاسٌ مُحْتَاجُونَ لِهَذَا المَالِ مِنَ المُسْلِمِينَ.
قُلْتُ: وَفِي جَوَابِ شَيْخِنَا هَذَا فِقْهٌ بَدِيعٌ، مِنْ عَالِمٍ ضَلِيعٍ.
وَمَا أَحْبَبْتُ الإِشَارَةَ إِلَيْهِ مَا يَلِي:
لَا شَكَّ أَنَّ الوَاحِدَةَ تُجْزِئُ عَنِ الرَّجُلِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَإِنْ كَثُرُوا، وَأَنَّ المُبَاهَاةَ وَالمُفَاخَرَةَ فِي العَدَدِ مَذْمُومَةٌ؛ لِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - الذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَلَكِنَّ تَعَبُّدَ الرَّجُلِ أَوْ أَهْلِ البَيْتِ الوَاحِدِ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ مَعَ الإِيسَارِ، لَا دَلِيلَ يَمْنَعُ مِنْهُ؛ بَلْ ثَبَتَ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: (كَانَ النَّبِيُّ - ﷺ - يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ، وَأَنَا أُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ). متفق عليه.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اخْتِيَارِ العَدَدِ فِي الأُضْحِيَةِ. انتهى.
وَفِي شَرْحِ صَحِيحِ البُخَارِيِّ لِابْنِ بَطَّالٍ: وَهَذِهِ الآثَارُ مُبَيِّنَةٌ لِمَعْنَى حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمُفَسِّرَةٌ لَهُ، وَاخْتِلَافُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الأَمْرَ فِي ذَلِكَ وَاسِعٌ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضحِّيَ عَنْ نَفْسِهِ بِاثْنَيْنِ وَثَلَاثَةٍ، فَهُوَ أَزْيَدُ فِي أَجْرِهِ.
وَأَخْرَجَ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ: أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - ﷺ - وَبِكَبْشَيْنِ عَنْ نَفْسِهِ. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
وَثَبَتَ عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ قَالَ: كَانَ أَهْلُ البَيْتِ يُضَحُّونَ بِالشَّاةِ وَالشَّاتَيْنِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَ إِسْنَادَهُ البُوصِيرِيُّ وَالشَّوْكَانِيُّ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: أَمَرَ أَبُو مُوسَى بَنَاتِهِ أَنْ يُضَحِّينَ بِأَيْدِيهِنَّ. وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالحَاكِمُ، وَصَحَّحَ إِسْنَادَهُ ابْنُ حَجَرٍ.
وَقَالَ ابْنُ المُسَيِّبِ: كَانَ أَهْلُ البَيْتِ يُضَحُّونَ بِالشَّاةِ، فَضَحَّوْا هُمْ - «يَعْنِي أَهْلَ العِرَاقِ» - عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ شَاة. رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ.
وَأَهْدَى النَّبِيُّ - ﷺ - مِائَةَ بَدَنَةٍ، (فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا، فَنَحَرَ مَا غَبَرَ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
لِذَا فَضَّلَ جُمْهُورُ العُلَمَاءِ البَدَنَةَ الكَامِلَةَ عَلَى الكَبْشِ. وَالفُقَهَاءُ يَقِيسُونَ الضَّحَايَا عَلَى الهَدَايَا.
وَقَالَ الشَّيْخُ السَّعْدِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ -: اعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الضَّحَايَا كَحُكْمِ الهَدَايَا، فَمَا جَازَ فِي الهَدَايَا، جَازَ فِي الضَّحَايَا. انتهى
وَلَوْ كَانَ تَعَدُّدُ الأُضْحِيَةِ مَحَلَّ ذَمٍّ وَخِلَافَ السُّنَّةِ؛ لَبَيَّنَ ذَلِكَ الرَّحِيمُ بِأُمَّتِهِ، خَاصَّةً وَالحَاجَةُ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ عَلَى ظَاهِرِيَّتِهِ: وَجَائِزٌ أَنْ يُضَحِّيَ الوَاحِدُ بِعَدَدٍ مِنَ الأَضَاحِي، ضَحَّى رَسُولُ اللهِ - ﷺ - بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَالأُضْحِيَةُ فِعْلُ خَيْرٍ، فَالاسْتِكْثَارُ مِنَ الخَيْرِ حَسَنٌ. انتهى.
وَقَالَ فِي كِتَابِ المَسَالِكِ: وَالاخْتِيَارُ فِيهِ عِنْدَ مَالِكٍ، أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ كُلِّ نَفْسٍ شَاةً، فَإِنْ ضَحَّى بِشَاةٍ وَاحِدَةٍ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِ بَيْتِهِ أَجْزَأَهُمْ.
وَقَالَ: لَا خِلَافَ أَنَّ الوَاحِدَ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ تُجْزِئُ الإِنْسَانَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَكِنْ قَالَ مَالِكٌ: يُسْتَحَبُّ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنْ يُضَحِّيَ عَنِ الإِنْسَانِ بِشَاةٍ لِمَنِ اسْتَطَاعَ ذَلِكَ.
وَقَالَ شَيْخُنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ بَازٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: فَإِذَا ضَحَّى الإِنْسَانُ بِوَاحِدَةٍ أَوْ بِثِنْتَيْنِ أَوْ بِأَكْثَرَ فَلَا بَأْسَ.
وَفِي فَتَاوَى اللَّجْنَةِ الدَّائِمَةِ: إِذَا كَانَتْ العَائِلَةُ كَثِيرَةً، وَهِيَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، فَيُجْزِئُ عَنْهُمْ أُضْحِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ ضَحَّوْا بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ فَهُوَ أَفْضَلُ. انتهى.
وَاللهُ أَعْلَمُ.