عدد الزوار 455 التاريخ 01/01/2021
فأجاب: الحَدِيثُ ثَابِتٌ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى عُلُوِّ اللهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ، عَالٍ عَلَى خَلْقِهِ، بَائِنٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ مَعَهُمْ بِعِلْمِهِ وَإِحَاطَتِهِ، يَسْمَعُ كَلَامَهُمْ، وَيَرَى مَكَانَهُمْ، وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ السُّؤَالِ بِأَيْنَ اللهُ؟ وَالإِخْبَارِ بِأَنَّ اللهَ فِي السَّمَاءِ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: (أَأَمِنْتُمْ مَّنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ)، وَقَالَ تَعَالَى: (يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، وَالآيَاتُ وَالأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ، وَالفِطْرَةُ وَالعَقْلُ يَدُلَّانِ عَلَى عُلُوِّ اللهِ وَفَوْقِيَّتِهِ.
وَحَدِيثُ الجَارِيَةِ صَحِيحٌ صَرِيحٌ، مُسْتَقِيمُ المَتْنِ، مُوَافِقٌ لِلْقُرْآنِ، وَالأَحَادِيثِ، وَاعْتِقَادِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، لَا تُقْبَلُ دَعْوَى أَهْلِ الأَهْوَاءِ فِي تَضْعِيفِهِ، وَلَا تَأْوِيلِهِ، وَلَا تَفْوِيضِ مَعْنَاهُ. فَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الحَكَمِ السُّلَمِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ- أَنَّهُ قَالَ: وَكَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ، فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّيبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ، آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ، لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا أُعْتِقُهَا؟ قَالَ: «ائْتِنِي بِهَا»، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ لَهَا: «أَيْنَ اللهُ؟»، قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: «مَنْ أَنَا؟»، قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: «أَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَذَكَرَ الحُمَيْدِيُّ أَنَّهُ عَلَى شَرْطِ البُخَارِيِّ.
وَقَدِ اتَّفَقَ العُلَمَاءُ عَلَى صِحَّتِهِ وَالاسْتِدْلَالِ بِهِ، وَتَلَقَّتْهُ الأُمَّةُ بِالقَبُولِ، وَخَرَّجَهُ الكَثِيرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَزِيدُ حَرْفًا، وَلَا يَضُرُّهُ إِعْلَالُ حَرْفٍ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ، كَمَا صَنَعَ الدَّارَقُطْنِيَّ وَغَيْرُهُ.
وَأَمَّا شُبْهَةُ بِأَنَّهُ خَبَرُ آحَادٍ لَا يُقْبَلُ فِي مَسَائِلِ الاعْتِقَادِ فَبَاطِلٌ، حَيْثُ إِنَّهَا دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، وَمُخَالِفَةٌ لِلْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، وَالإِجْمَاعِ، وَالعَقْلِ، وَمُخَالِفَةٌ لِسَبِيلِ المُسْلِمِينَ.
وَدَعْوَى الاضْطِرَابِ بَاطِلَةٌ، فَهُوَ حَدِيثٌ مَحْفُوظٌ، وَالاخْتِلَافُ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ لَا يَجْعَلُهُ مُضْطَرِبًا؛ لِأَنَّهَا إِمَّا ضَعِيفَةُ السَّنَدِ، وَإِمَّا فَصَلَ فِيهَا التَّرْجِيحُ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي سُؤَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الجَارِيَةَ: «أَيْنَ اللهُ؟»، وَقَوْلِهَا: فِي السَّمَاءِ.
فَهِيَ سَالِمَةٌ مِنَ النَّقْدِ وَالاخْتِلَافِ، وَالهِدَايَةُ وَالفَهْمُ وَالفَتْحُ مِنَ اللهِ.