حكم تثبيط الآخرين عن طلب العلم الشرعي وحكم طلب العلم بقصد الشهادة..
عدد الزوار
133
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
مما يشاع بين طلاب العلم وخاصة في الكليات والمؤسسات العلمية قولهم: العلم ذهب مع أهله، وأنه لا يوجد أحد يتعلم في المؤسسات العلمية إلا من أجل الشهادات والدنيا، فبماذا يرد عليهم، وما الحكم إذا اجتمع قصد الدنيا والشهادة مع نية طلب العلم لنفع نفسه ومجتمعه؟
الإجابة :
هذا الكلام ليس بصحيح، ولا ينبغي أن يقال هذا الكلام وأمثاله، ومن قال: هلك الناس فهو أهلكهم.
ولكن ينبغي التشجيع والتحريض على طلب العلم، والتفرغ لذلك، والصبر والمصابرة على ذلك، وحسن الظن بطلبة العلم، إلا من علم منه خلاف ذلك.
ولما حضرت المنية معاذا - فيما يذكر - أوصى من حوله بطلب العلم، وقال: (إن العلم والإيمان مكانهما من أرادهما وجدهما)، يعني: مكانها في كتاب الله العظيم وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- الأمين.. وإنما العالم يقبض بعلمه.. فالعلم يقبض بموت العلماء، لكن لا تزال بحمد الله طائفة على الحق منصورة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بموت العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا» رواه البخاري في صحيحه.
وهذا هو الذي يخاف منه، يخاف أن يتقدم للإفتاء والتعليم الجهلة، فيضلون ويُضِلُّون، وهذا الكلام الذي يقال: ذهب العلم، ولم يبق إلا كذا وكذا، يخشى منه التثبيط لبعض الناس، وإن كان الحازم والبصير لا يثبطه ذلك، بل يدفعه إلى طلب العلم، حتى يسد الثغرة.
والفاهم المخلص، والصادق البصير بمثل هذا الكلام لا يثبطه ذلك، بل يتقدم ويجتهد، ويثابر ويتعلم ويسارع لشدة الحاجة للعلم، وليسد الثغرة التي زعمها هؤلاء القائلون: إنه لم يبق أحد، والحاصل أنه وإن نقص العلم وذهب أكثر أهله، فإنه ولله الحمد لا تزال طائفة على الحق منصورة. كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرهم من خالفهم، ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله»، فعلينا أن نجتهد في طلب العلم، وأن نشجع عليه، وأن نحرص على سد الثغرة، والقيام بالواجب في مصرنا وغيره، عملًا بالأدلة الشرعية المرغبة في ذلك، وحرصا على نفع المسلمين، وتعليمهم، كما ينبغي أن نشجع على الإخلاص والصدق في طلب العلم، من أراد الشهادة ليتقوى بها على تبليغ العلم والدعوة إلى الخير، فقد أحسن في ذلك، وإن أراد المال ليتقوى به فلا بأس أن يدرس ليتعلم وينال الشهادة التي يستعين بها على نشر العلم، وأن يقبل الناس منه هذا العلم، وأن يأخذ المال الذي يعينه على ذلك، فإنه لولا الله سبحانه ثم المال لم يستطع الكثير من الناس التعلم وتبليغ الدعوة.
فالمال يساعد المسلم على طلب العلم، وعلى قضاء حاجته، وعلى تبليغه للناس، ولما ولي عمر -رضي الله عنه - أعمالًا، أعطاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مالا، قال: أعطه من هو أفقر مني، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «خذ هذا المال فتموله أو تصدق به، وما جاءك من هذا المال، وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه. وما لا فلا تتبعه نفسك» خرجه مسلم في صحيحه. وأعطى النبي -صلى الله عليه وسلم- المؤلفة قلوبهم، ورغبهم حتى دخلوا في دين الله أفواجا، ولو كان حراما لم يعطهم، بل أعطاهم قبل الفتح وبعده.
وفي يوم الفتح أعطى بعض الناس على مائة من الإبل، وكان يُعطي عطاء من لا يخشى الفقر عليه الصلاة والسلام، ترغيبا في الإسلام ودعوة إليه.
وقد جعل الله سبحانه للمؤلفة قلوبهم حقًا في الزكاة، وجعل في بيت المال حقا لهم ولغيرهم من المدرسين والقضاة، وغيرهم من المسلمين. والله ولي التوفيق.
المصدر :
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز(23/358 - 361)