حكم تأسيس جماعات إسلامية ووجوب الأمر بالمعروف حسب الاستطاعة
عدد الزوار
124
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
الفتوى رقم(1392)
قال الله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾[آل عمران: 110] هذه الآية الكريمة وما يتعلق بها من الأحاديث تفيد أن الخطاب موجه إلى الأفراد، أي إذا رأى الفرد منكرا فليحاول أن يغيره، وإذا رأى أحدا يقصر في الخير فليحثه عليه، وقال الله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾[آل عمران: 104] إن هذه الآية الكريمة تشير إلى إقامة جماعة وتأسيسها، ولكن من الذي عليه المسئولية، هل هي على أولي الأمر على ما جاء في القرآن أو أنها تعود إلى الفرد، فإن قيل: إن الفرد هو الذي يؤسس الجماعة فهل يجوز لشخص آخر أن يؤسس جماعة أخرى وهكذا، وإذا لم يكن لأحد أن يؤسس جماعة بعد أن أسسها غيره قبله فما الحكم الشرعي إذا تحقق أن الجماعة الأولى قد ابتعدت عن الطريق السوي أو انحرفت عن أهدافها، وكيف يمكن التمسك بالحكم الشرعي، وهل يجوز لفرد آخر عندئذ أن يؤسس جماعة أخرى؟
الإجابة :
أولاً: قوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾[آل عمران: 110] الآية، خطاب عام لجميع أمة الإجابة، راعيها ورعيتها إلى يوم القيامة، وثناء عليهم؛ لإيمانهم وقيامهم بما يوجب عليهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد وباللسان أو الإنكار بالقلب، كل حسب استطاعته، كما هو ظاهر الخطاب، ولعموم ما رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» فليس الخطاب موجها للأفراد فقط كما فهم المستفتي.
ثانياً: قوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾[آل عمران: 104] أمر لجميع أمة الإجابة أن يكون من بينها جماعة مهيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، صالحة لذلك، علما وثقافة وعملا وخلقا، متصدية لهذا الشأن، قائمة به على وجه يكفي في البلاغ والموعظة، وتصلح به أحوال الأمة، فإذا قام بذلك جماعة سقط الواجب عن الباقين، وإلا أثم الجميع كما هو الشأن في فروض الكفاية، أما تنظيم ذلك وطريق التطبيق وكيفية التنفيذ فمرجعه إلى أولياء الأمور من العلماء والحكام، فقد يكون الوعي العلمي والديني في الأمة بلغ إلى مستوى يحفز الجماعات والأفراد إلى القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على خير حال، لا تقصير فيه ولا شائبة فتنة أو انحراف عن جادة الشريعة، وفي هذه الحالة لا يكون من ولاة الأمور إلا المشاركة في التعليم والدعوة والتعاون مع الرعية على الخير، والنهوض بها في دينها ودنياها، وتبادل النصح بين الراعي والرعية على نحو ما كان الأمر في صدر الإسلام، وقد يجد ولاة الأمور تقصيرا في التعليم وإعداد الدعاة، أو انحرافا في الدعوة وتضاربا في الآراء، ويخشون من ذلك الفتنة والتدهور والفساد، فيضطرون إلى تنظيم طرق التعليم كلها، ومنها إعداد الدعاة، وتنظيم طرق الدعوة إلى الله على وجه يكفل للأمة المصلحة والسعادة في ثقافتها وينهض بها في دعوتها إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويدرأ الفتنة ويقضي على الانحراف. وإن قام مسلم يدعو إلى الخير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر منفردا، أو اتفقت جماعة أو جماعات في وقت أو أوقات مختلفة على أن يقوموا بذلك، وأن يتعاونوا فيما بينهم في نشر الإسلام والنهوض بالأمة في دينها في مكان أو أمكنة متباعدة أو متقاربة، فإن كان عملهم في الدعوة متفقا مع ما تقتضيه الشريعة أعينوا على ذلك، وإن انحرفوا أو أحدثوا بدعوتهم فتنة أو ضرراً يزيد على نفعهم وجب إشراف أولي الأمر عليهم وإرشادهم وتقويمهم؛ لتصلح أحوالهم وينتفع بهم، فإن لم يمكن ذلك وجب الأخذ على أيديهم ومنعهم من تولي الدعوة والقيام بها، إيثاراً لأقوى المصلحتين، وارتكابا لأخف الضررين، وإسناد الدعوة إلى من هو أهل لها، تحقيقا للمصلحة وبعدا عن مثار الفتن والضرر. وبهذا يتبين الجواب عما ذكر في السؤال من الترديدات.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
المصدر :
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(12/330- 333)
عبد الله بن منيع ... عضو
عبد الرزاق عفيفي ... نائب رئيس اللجنة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الرئيس