حكم من لا يتعرض لدراسة العقيدة خوفاً من الزلل
عدد الزوار
127
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
سئل فضيلة الشيخ -رحمه الله-: عمن لا يحب دراسة العقيدة خصوصاً مسألة القدر خوفاً من الزلل؟
الإجابة :
هذه المسألة كغيرها من المسائل المهمة التي لا بد للإنسان منها في دينه ودنياه، لابد أن يخوض غمارها وأن يستعين بالله -تبارك وتعالى- على تحقيقها ومعرفتها حتى يتبين له الأمر؛ لأنه لا ينبغي أن يكون على شك في هذه الأمور المهمة، أما المسائل التي لا تخل بدينه لو أجلها، ولا يخشى أن تكون سببًا لانحرافه، فإنه لا بأس أن يؤجلها مادام غيرها أهم منها، ومسائل القدر من الأمور المهمة التي يجب على العبد أن يحققها تمامًا حتى يصل فيها إلى اليقين.
وهي في الحقيقة ليس فيها إشكال -ولله الحمد- والذي يثقل دروس العقيدة على بعض الناس هم أنهم مع الأسف الشديد يرجحون جانب (كيف) على جانب (لِمَ) والإنسان مسؤول عن
عمله بأداتين من أدوات الاستفهام (لِمَ) و (كيف)، فلم عملت كذا؛ هذا الإخلاص. كيف عملت كذا؛ هذا المتابعة للرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأكثر الناس الآن مشغولون بتحقيق جواب (كيف) غافلون عن تحقيق جواب (لم) ولذلك تجدهم في جانب الإخلاص لا يتحرون كثيرًا، وفي جانب المتابعة يحرصون على أدق الأمور، فالناس الآن مهتمون كثيرًا بهذا الجانب، غافلون عن الجانب الأهم وهو جانب العقيدة وجانب الإخلاص وجانب التوحيد.
لهذا تجد بعض الناس في مسائل الدين يسأل عن مسألة يسيرة جدًا جدًا وقلبه منكب على الدنيا غافل عن الله مطلقًا في بيعه وشرائه، ومركوبه، ومسكنه، وملبسه، فقد يكون بعض الناس الآن عابدًا للدنيا وهو لا يشعر، وقد يكون مشركًا بالله في الدنيا وهو لا يشعر، لأنه مع الأسف الشديد لا يهتم بجانب التوحيد وجانب العقيدة، وهذا ليس من العامة فقط، ولكن من بعض طلاب العلم وهذا أمر له خطورته.
كما أن التركيز على العقيدة فقط بدون العمل الذي جعله الشارع كالحامي والسور لها خطأ أيضاً؛ لأننا نسمع في الإذاعات ونقرأ في الصحف التركيز على أن الدين هو العقيدة السمحاء وما أشبه ذلك من العبارات، وفي الحقيقة أن هذا يخشى أن يكون بابًا يلج منه من يلج في استحلال بعض المحرمات بحجة أن العقيدة سليمة، ولكن لابد من ملاحظة الأمرين جميعًا ليستقيم الجواب على (لِمَ) وعلى (كيف).
وخلاصة أنه يجب على المرء دراسة علم التوحيد والعقيدة، ليكون على بصيرة في إلهه ومعبوده- جل وعلا- على بصيرة بأسماء الله، وصفاته، وأفعاله، على بصيرة في أحكامه الكونية،
والشرعية، على بصيرة في حكمته، وأسرار شرعه وخلقه، حتى لا يضل بنفسه أو يضل بغيره.
وعلم التوحيد هو أشرف العلوم لشرف متعلقه ولهذا سماه أهل العلم (الفقه الأكبر) وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» وأول ما يدخل في ذلك وأولاده علم التوحيد والعقيدة، لكن يجب على المرء أيضًا أن يتحرى كيف يأخذ هذا العلم ومن أي مصدر يتلقاه؟
فليأخذ من هذا العلم أولاً: ما صفا منه وسلم من الشبهات، ثم ينتقل ثانياً إلى النظر فيما أورد عليه من البدع والشبهات؛ ليقوم بردها وبيانها مما أخذه من قبل من العقيدة الصافية، وليكن المصدر الذي يتلقاه منه كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ثم كلام الصحابة -رضي الله عنهم- ثم ما قاله الأئمة بعدهم من التابعين وأتباعهم، ثم ما قاله العلماء الموثوق بعلمهم وأمانتهم، خصوصًا شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم عليهما وعلى سائر المسلمين وأئمتهم سابغ الرحمة والرضوان.
المصدر :
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(26/162)