ما هو المنهج الصحيح الذي ينبغي لطالب العلم أن يسلكه؟ وما هي الكتب التي يبدأ بها؟
عدد الزوار
233
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
يقول فضيلة الشيخ! أرجو إيضاح المنهج الصحيح لطالب العلم المبتدئ وكذلك إيضاح الكتب التي يبدأ فيها طالب العلم جزاكم الله خيراً؟
الإجابة :
المنهج الصحيح لطالب العلم مبتدئاً -كان أو راغبًا أو منتهياً- هو أن يسير في عقيدته وأقواله وأفعاله وأخلاقه على ما علمه من كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، لأن ثمرة العلم هو العمل به، والعلم إذا لم يعمل به من أعطاه الله إياه صار وبالاً عليه؛ لأنه بالعلم قامت عليه الحجة، وتبينت له المحجة فإذا عاند وخالف صار علمه حجة عليه ووبالاً عليه، ولهذا قال النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «القرآن حجة لك أو عليك».
وعلى طالب العلم المبتدئ والراغب والمنتهي أن يظهر أثر علمه عليه: في الوقار والسمت الحسن والخلق الجميل، حتى يكون محترماً بين الناس معظماً فيهم؛ لأن كلمة المحترم المعظم تزن ألف كلمة من المستهان به، إن قبلت الكلمة من المستهان به، وعلى طالب العلم أن يبلغ ما علمه من شريعة الله؛ لقول النبي-صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «بلغوا عني ولو آية». فالعلماء ورثة الأنبياء، والوارث يجب أن يكون على هدي الموروث؛ لأن الوارث يحل محل الموروث فيما ترك، فكما أن المال إذا مات صاحبه انتقل المال نفسه إلى ورثته، كذلك الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- إذا ماتوا انتقل ميراثهم وهو العلم إلى من بعدهم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر، وعلينا أن نسلك ما سلكه الرسل عليهم الصلاة والسلام في هداية الخلق ودعوتهم إلى الحق، فطالب العلم المبتدئ والراغب والمنتهي عليه مسؤولية في نشر علمه ودعوة الخلق إلى الحق، وعلى طالب العلم المبتدئ والراغب والمنتهي، عليه ألا يقع في قلبه حسد لأحد، فإن الحسد من أخلاق اليهود، وهو خلق ذميم، وأول ما يتضرر به صاحبه؛ لأنه كلما رأى نعمة الله على أحد احترق قلبه وضاقت نفسه، ولم ير نعمة الله عليه في شيء، بل ربما يتدرج به الحسد إلى أن يشعر بنفسه أن الله قد ظلمه، حيث أعطى فلاناً ما لم يعطه، وقد أنكر الله هذا على أولئك الحسدة في قوله: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً﴾[النساء: 54 ]. وليعلم الحاسد -من طالب العلم وطالب المال وطالب الولد- أن حسده لا يمكن أن يمنع فضل الله على المحسود، وليسترشد بما أرشد الله إليه في قوله تعالى: ﴿وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾[النساء: 32 ]. فإذا رأى من فاقه علمًا ودينًا وولدًا ومالًا فليعلم أن ذلك من فضل الله، وليسأل الله من فضله، الذي أعطى هذا فليعطك، وأما كونك تحسده وتكره ما أنعم الله به عليه فهذا خطأ في التصور، وسفه في العقل، وضلال في الدين.
أما الكتب التي أنصح بها طالب العلم: فأولها كتاب الله -عزّ وجلّ- الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد الذي أكد الله -عزّ وجلّ- أنه يسره للذكر، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾[القمر: 17] فليتجه الإنسان طالب العلم إلى القرآن الكريم حفظًا وتلاوة، وتدبرًا وفهماً، وعملاً بما دل عليه، حتى ينال بذلك سعادة الدنيا والآخرة، وليحرص على مراجعة كتب المفسرين الموثوقين في علمهم وأمانتهم؛ لأن مشارب المفسرين في القرآن الكريم مختلفة، ومنها ما هو ضلال، فيحاول من كان هذا مشربه إلا أن يُحرِّف نصوص القرآن إلى ما يعتقده، مثال ذلك: قال الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾[طه: 5 ]. وقد ذكر الله تعالى استواءه على عرشه في سبعة مواضع من القرآن الكريم وكلها بلفظ استوى على العرش، والاستواء على الشيء معلوم في اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم، كما قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾[الشعراء: 192-195]. وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾[يوسف: 2]. وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾[النحل: 103 ]. وفي اللغة العربية: الاستواء إذا تعدى بعلى فإن معناه العلو على الشيء، كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾[الزخرف: 12-13 ]. فاستواء الله على عرشه علوه عليه على وجه يختص به ويليق به جل وعلا، ولكننا لا نعلم كيفيته؛ لأن الله تعالى أخبرنا أنه استوى على عرشه، ولم يخبرنا كيف استوى. ولهذا لما سأل رجل الإمام مالكاً -رحمه الله-فقال: يا أبا عبد الله: ( الرحمن على العرش استوى، كيف استوى؟ أطرق مالك برأسه حتى جعل يتصبب عرقاً من شدة ما نزل عليه من هذا السؤال، ثم قال: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وقال: ما أراك إلا مبتدعاً، ثم أمر به فأخرج من المسجد النبوي)؛ لأنه سأل عن شيء لا يسعه إلا السكوت عنه، فإن الصحابة لم يسألوا عنه رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وهم أحرص منا على معرفة صفات الله -عزّ وجلّ-، وأشد منا تعظيماً لله، وأشد منا حبًّا للعلم، وعندهم من إذا سألوه فهو أجدر بالإجابة منا، وهو رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ولم يسألوه. يوجد من المفسرين من يفسر «استوى على العرش» أي: استولى عليه ومَلَكه وقَهَره بقوة السلطان والسيطرة، ولا شك أن هذا معنى باطل، مخالف لما تقتضيه دلالة القرآن الكريم ولما كان عليه السلف الصالح وأئمة المسلمين، فمثل هذا التفسير يجب أن يحترز الإنسان منه وألا يغتر؛ به لأن هذا التفسير قد يصاغ بأسلوب بياني يملك شعور الإنسان، حتى يصدق به مع كونه تحريفًا لكتاب الله. والأمثلة على هذا كثيرة منهم من يحاول صرف الآيات الكريمة إلى معتقده، ومنهم من يحاول صرفها إلى مذهبه الفقهي، ومنهم من يحاول صرفها إلى مذهبه النحوي فيقول: هذا شاذ وهذا غير قياسي وما أشبه ذلك.
الخلاصة أني أقول: أهم كتاب يعتني به طالب العلم كتاب الله -عزّ وجلّ-، لكن ليكن تلقيه لمعاني كتاب الله -عزّ وجلّ- من الكتب الموثوقة في التفسير التي قام بتأليفها علماء موثوقون في علمهم وفي دينهم وفي أمانتهم، ثم بعد ذلك ما صح من أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، ويبتدئ بالمختصرات مثل كتاب عمدة الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسي، ثم بلوغ المرام للحافظ ابن حجر العسقلاني، ثم المنتقى من أخبار المصطفى للمجد ابن تيمية جد شيخ الإسلام ابن تيمية، وبعد هذا المختصرات الفقهية كزاد المستقنع في الفقه الحنبلي، وما يشابهه من المختصرات الفقهية في المذاهب الأخرى، ولكن لا نجعل هذه الكتب الفقهية التي ألفها علماء دليلًا يحتج به؛ لأن كلام العلماء رحمهم الله مهما بلغوا في العلم يحتاج أن يحتج له، وليس دليلًا يحتج به، فأقوال العلماء يحتج لها ولا يحتج بها، لكنها لا شك أنها مما يستأنس به ويستشهد به فإذا تمكن الإنسان من هذه الكتب الفقهية، ويسر الله له شيخًا يبين له معناها، ويبين الراجح من المرجوح، فإنه يحصل على خير كثير. وإنني أحث طلبة العلم على الاعتناء بالأصول والقواعد؛ لأنها هي العلم حقيقة، أما أفراد المسائل فهي- وإن كانت علمًا- لكنها لا تعطي الإنسان ملكة يستطيع بها أن يعرف الراجح من المرجوح والصحيح من الضعيف، وأسأل الله تعالى أن يكثر من أمثال هذا السائل في جامعاتنا.
المصدر :
الشيخ ابن عثيمين من فتاوى نور على الدرب