السؤال :
هناك أحد الأفاضل من أهل العقيدة الصحيحة والمنهج الصحيح -والحمد لله- استدل بآيات من سورة النساء أعرض عليك استدلاله إن شاء الله, في قوله عز وجل: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً﴾[النساء:60] إلى آخر الآيات, يقول: إن هذه الآيات تحدد منهجاً في الذين يتحاكمون إلى غير شريعة الله عز وجل وهم بلسانهم يعتذرون باعتذارات هي في ذاتها باللسان, أما الحقيقة في القلب فهي خلاف ذلك, فمن ناحية الفعل: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً﴾[النساء:61] لكن ما صدودهم؟ إذا كلمناهم ما صرحوا بعقيدتهم الفاسدة ولكن تلونوا واعتذروا: ﴿فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً﴾[النساء: 62] وهؤلاء الذين علم الله ما في قلوبهم ومع ذلك لم يأمرنا بقتلهم, ومع ذلك لو كانوا كفاراً لجاء حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من بدل دينه فاقتلوه» فقال: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً﴾[النساء: 63] فهذا يدلنا في قوله على أن من تحاكم بغير شريعة الله وصرح بأن حكم الله هو الحق وما دونه باطل فموقفنا معه الإعراض والنصيحة وليس التكفير والقتل, هذا الاستدلال فهل صحيح من هذه الآيات؟
الإجابة :
هذه الآيات يظهر من سياقها أنها نزلت في المنافقين, الذين يظهرون أنهم مسلمون ولكنهم لا يؤمنون بالإسلام, وإنما يضمرون الكفر, فمن كانت هذه حاله فلا شك أنه داخل في المنافقين, وإنما لم يأمر الله بقتلهم؛ لأن المنافق لا يعامل إلا بظاهر الحال, كما قال النبي عليه الصلاة والسلام حين سئل عن قتل المنافقين: «لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه» ولو ذهبنا نقتل كل من اتهمناه بالنفاق, لكان في ذلك مفسدة عظيمة, ولهذا قال: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾فنحن لا نعلم ما في القلوب, فحكمنا على الظاهر.
هؤلاء المنافقون يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت لكن قد لا يتسنى لهم ذلك؛ لأنهم في دولة قد سيطر عليها الحكم الإسلامي, لكنهم يحبون أن يتحاكموا إلى الطاغوت أي: إلى ما يخالف الشرع, ﴿وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً﴾وقد تمكن منهم, ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً﴾ولا يقولون: لا.
لكنهم يصدون ويعرضون دون أن يصرحوا بكلمة «لا » لأنهم لو صرحوا بها لكانوا كفاراً صرحاء.
﴿فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾أي: واطلع عليهم وعلى نفاقهم, «ثم جاءوا يحلفون بالله » جاءوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يحلفون بالله ﴿إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً﴾.
والآية صريحة بأن هؤلاء محكومين وليسوا حاكمين, ولهذا يأتون يعتذرون إلى الرسول عليه الصلاة والسلام: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً﴾.
فهذا الاستدلال صحيح، أن تكون الدعوة بالنسبة للمنافقين بالموعظة والنصيحة، والرسول عليه الصلاة والسلام لم يجد منابذة الولاة إلا إذا رأينا كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان، فنحن لا نعلم ما في قلب ولي الأمر، وتعرف أن الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله يصرحون لكنهم يعتذرون بأعذار غير صحيحة, وإلا فهم يصرحون, يقولون: نعم نحن نقول هذا ونقول هذا القانون ونعلم أنه يخالف الشرع لكنهم يأتون بأشياء يتأولونها, لكن أولئك المنافقين في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يصرحون يصدون ويعرضون لكن دون أن يقولوا: لا نقبل.