حكم التحاكم إلى الأعراف القبلية
عدد الزوار
135
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
الفتوى رقم(16894)
نرفع لسماحتكم معروضنا هذا، ونفيدكم فيه بأن القبائل التي تستوطن الطائف وضواحيها وهم قبيلة قريش وبنو سفيان وطويرق والنمور وقبيلة هذيل التي تستوطن وادي نعمان، تسيطر على هذه القبائل جميعا الأحكام العرفية، وما يسمونه بالمذهب العربي، وهو عبارة عن قوانين جاهلية لا تخضع للشريعة، ومن أمثلة ذلك: قانون تثليث الدم، بحيث إذا ضرب إنسان وقدر دمه بعشرة آلاف مثلا، فإن صاحب هذا الدم لا يحصل إلا على ثلاثة آلاف فقط، وفقا لقانون تثليث الدم السائد عندهم، حيث يخصم منه ثلث للفراش وهي الوليمة التي يجتمعون عليها، والثلث الثاني يهمل ويهدر حسب القانون، والثلث الباقي يسلم لصاحب الدم.
ومن أمثلة ذلك: أنهم يحكمون بالجنابي وهي أن يضرب الرجل رأسه بالجنبية حتى يسيل الدم، ويستمر ضرب رأسه والدم يسيل حتى يقول خصمه كلمة (أبيض)، وفي هذه الأيام يتحايلون على قضية الجنابي ويقولون: نحن نحكم بثمن الجنابي، ولا داعي للاعتراض، كما يقولون بأننا نقدر الجنبية بألف ريال أو بأكثر أو أقل، وعندهم أيضا ما يسمونه (بالأسية) وهو قانون سائد لديهم، وهو أن يشرعوا لكل حادثة أحكاما، مثل: عليك يا فلان خمس من الغنم أو ست جنابي أو ثمنها في حادثة من الحوادث، وغدا تقبل مني مثل هذا الحكم المذكور، ويتذرعون بأن الشرع لا يمنعهم من تطبيق عادات آبائهم وأجدادهم التي يفخرون بها ويجلونها ويعظمونها... وقد يلاقي المنكر عليهم نبذا وهجرا، ولو استطاعوا أن يفعلوا الأفاعيل لما ترددوا.
ونأمل من سماحتكم إفتاءنا في هذه الأمور فتوى مكتوبة، ولا سيما أن بعض العامة ينقلون عن سماحتكم أمورا لا ندري مدى ثبوتها.
وهذه الأمور المذكورة يا سماحة الشيخ عبارة عن واقع تعيشه هذه القبائل، والذين يتولون التحكيم رجال ليسوا مؤهلين شرعا، بل هم من العامة. فما حكم الإسلام في تثليث الدم وفي الجنابي أو في ثمنها أو في الأسية، وبقية ما ذكرنا؟ وهل يباح الحضور والأكل من وليمة الفراش المذكورة أعلاه؟ وعندهم أيضا ما يسمى بالمنصوبة، وهي ذبيحة أو أكثر تفرض على المخطئ، ويذهب بها إلى بيت المخطئ عليه. فهل يجوز حضورها والأكل منها؟ وما حكم الرضا بما يفرضه القضاة من العامة المعروفين؟
الإجابة :
الواجب على المسلمين أن يتحاكموا إلى الشريعة الإسلامية امتثالا لأمر الله -جل وعلا- في قوله تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾[المائدة: 49]، وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾[المائدة: 44]، وقوله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾[المائدة: 45]، وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾[المائدة: 47]، وقوله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾[النساء: 65].
ويحرم على المسلمين التحاكم إلى الأحكام العرفية، والمبادئ القبلية، والقوانين الوضعية؛ لأنها من التحاكم إلى الطاغوت الذي نهينا أن نتحاكم إليه، وقد أمرنا الله بالكفر به في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾[النساء: 60] ولا يحل لمشائخ القبائل الحكم بين الناس بما تمليه الأعراف والمبادئ القبلية، والواجب عليهم إرشاد من جاءهم بأن يذهب إلى القضاة في المحاكم الشرعية، الذين ولاهم إمام المسلمين للحكم بين الناس بالشرع المطهر.
وما ذكر من الحكم بالجنابي أو ثمنها، أو تثليث الدم، أو الحكم بالأسية أو المنصوبة، فكل هذه ليست أحكاما شرعية، وإنما هي من الأحكام القبلية التي لا يجوز الحكم بها بين الناس، ولا يجوز الأكل من الطعام المسمى بـ : (طعام الفراش)؛ لأنه مبذول بغير طيب نفس، ولا يجوز حضورها ولا الرضا بها.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
المصدر :
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(1/369-372)المجموعة الثانية
بكر أبو زيد ... عضو
عبد العزيز آل الشيخ ... عضو
صالح الفوزان ... عضو
عبد الله بن غديان ... عضو
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الرئيس