حكم من فضَّل الدولة العلمانية على الدولة الإسلامية وأنكر بعض أمور الشرع كقتل المرتد والزاني ..
عدد الزوار
90
التاريخ
01/01/2021
السؤال :
الفتوى رقم(19351)
نرفع إليكم هذا السؤال، ونناشدكم بما أخذ الله على أهل العلم من الميثاق ليبيننه للناس ولا يكتمونه، لنرجو منكم الإجابة الحاسمة على شبهات شخص يدعى دكتور أحمد البغدادي، كثر منه الطعن في دين الله تعالى، وتشكيك الناس في أحكامه في الصحف ووسائل الإعلام، حتى لقد أثر في عقول كثير من المسلمين والعياذ بالله، وهذا المدعي ينتحل ما يلي:
1 - إنكار حد الرجم، يقول: (وقتل الثيب المحصن لم يرد في القرآن الكريم، ولكن الفقهاء كعادتهم أقروا عقوبة الرجم حتى الموت) جريدة الأنباء الكويتية عدد 9550.
2 - إنكاره حد الردة، وسخريته بالفقهاء؛ لأنهم يقولون به، يقول: (بل إن الفقهاء يفتخرون بقتل المرتد وإيذاء غير المسلمين) . المصدر السابق 7124.
ويقول: (وليس صحيحا أن الشرع الإسلامي الحنيف قد قال كلمته في شأن الردة بنفس الصورة التي يريدها أو يزعمها الفقهاء، لاختلاف نصوص الأحاديث وأحكامها عن نصوص القرآن وأحكامها، فالنص القرآني واضح لا لبس فيه بكفر المرتد عن دينه، وليس هناك ذكر لأي قتل أو عقوبة في حين أن أحاديث الردة ترتب عقوبة القتل) المصدر السابق عدد 7053.
3 - تفضيله الدولة العلمانية على الدولة الدينية، يقول: (رفض الفقهاء وبإصرار اتخاذ موقف ديني صارم تجاه الدولة الجديدة التي تضع قدما في حوض العلمانية، والقدم الأخرى في حوض العقيدة الدينية من الناحية التعبدية، وفي الحقيقة أنه قد تم تجاهل كل المفاهيم التقليدية الواردة في كتب الأحكام السلطانية والسياسة الشرعية، ولكن أحدا لا يريد أن يعترف بذلك، خاصة بعد أن تبين أن فضائل ومزايا المجتمع المدني القائم على الديمقراطية والحرية والمساواة أفضل من المجتمع الديني) المصدر السابق عدد 7100.
4 - دعوته إلى تجاوز النصوص الشرعية: يقول: (إن الحاضر يمثل واقعا لا بد من التعامل معه وفق صيغة عملية حياتية، أو بتعبير فقهي وضع المصلحة فوق النص الديني؛ لأن ما يحدث عمليا الآن يتمثل في تجاهل النص الديني وفق عملية خداع النفس بمبدأ: الضرورات تبيح المحظورات، والتدرج في التطبيق وما إلى ذلك من قواعد فقهية تمثل تحايلا عن النص الديني، ومن الأفضل للمسلمين التوقف عن ذلك، وإعلان عجزهم عن تطبيق مبادئ الشرع الحنيف؛ لأن الواقع أقوى منهم ومن النص الديني) المصدر السابق عدد 7276.
5 - إنكاره تكفير اليهود والنصارى والبوذيين، يقول: (وأما التصنيف التقليدي أن هذا مسلم وذاك كافر، فيجب أن يتوقف من خلال وصف الطرف ذاته بما هو عليه، فالإنسان المسيحي أو اليهودي أو البوذي يجب أن يطلق عليه وصفه الديني وليس وصف الكافر؛ لأن المسلم نفسه بالنسبة للفكر الديني المسيحي التقليدي يوصف بالكفر) . المصدر السابق عدد 6941.
6 - تشكيكه بحفظ القرآن الكريم، وطعنه في الصحابة الكرام، يقول: (أعلم أن كثيرا من أصحاب العقول البسيطة والثقافة المتواضعة قد يتساءلون: كيف نتسامح مع من يتعرض للنص الديني بالبحث والتحليل؟ وأعتقد جازما أنهم لم يترددوا في تكفير من يجرؤ على طرح السؤال التالي: كيف نثق عند جمع القرآن بالصحابة الذين حفظوا أو كتبوا الآيات على الجلد أو العظام؛ لأن سؤالا كهذا يقتحم المحرمات التي اصطنعها أهل التيار الديني) المصدر السابق 7290.
7 - تشكيكه بالأحاديث النبوية، يقول: (لا يعلم كثير من الناس أن أول من رد الأحاديث النبوية وطالب بالتثبت منها هم الفقهاء ورجال الدين، ولن أذكر الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب، الذي كان يضرب أبا هريرة بسبب كثرة أحاديثه، وما كان يصدقه حتى يأتي له بالشهود، حتى إذا ما مات عمر انطلقت الأحاديث من أبي هريرة كالسيل) جريدة السياسة عدد 9564.
ويقول: (وإن عروة جعل يرمق أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بعينه قال: فوالله أن يتنخم النبي بنخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وخلاصة القول: أن الطبري يكتب التاريخ بأسلوب لا عقل فيه ولا منطق، ومع ذلك لم يجرؤ المسلمون على كثرة مؤرخيهم على تنقيح الطبري من هذه الخزعبلات والخرافات) جريدة الأنباء الكويتية عدد 7283.
8 - إنكاره أن الإسلام أعطى الإنسان حقوقه في الأحكام، يقول: (ثم لا نخجل بعد ذلك كله في التباهي بالقول والكتابة أن الدين الإسلامي أول من أقر حقوق الإنسان) المصدر السابق عدد 6822.
وغير ذلك من الطعن في الدين والصحابة والعلماء والتشكيك في نصوص الشرع ومحكماته ومبادئ الإسلام الحنيف.
والمطلوب من السادة أهل العلم الإجابة على ما يلي:
1 - ما حكم الأقوال التي قالها هذا القائل؟
2 - ما هو حكم من يقول هذه الأقوال ويعتقدها؟
3 - ما هو الواجب تجاهه؟
4 - هل يجوز للصحف نشر كلامه هذا وأشباهه بحجة حرية الرأي، وما هو الموقف من الصحيفة التي دأبت على نشر مثل هذه الأقوال، وتمكين هذا وأشباهه من الكتابة فيها؟
هذا ولا يخفى على أصحاب الفضيلة أن المسلمين في أمس الحاجة في هذا الزمن التي عظمت فيه الفتن إلى إرشاد أهل العلم، الذين لا يخافون في الله لومة لائم؛ لينصر الله بهم الدين، ويقمع بقولهم الذين في قلوبهم مرض والمنافقين. فنهيب بكم التعجيل في الجواب والإرشاد إلى الصواب؛ ليقذف الله تعالى بكم الحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق. والله المستعان.
الإجابة :
أولا: حد الرجم ثابت بالآية التي نسخ لفظها، وبقي حكمها من سورة الأحزاب: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم)، وثابت بالسنة المتواترة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قوله وفعله، وبإجماع المسلمين، ولم ينكره إلا أهل البدع من الخوارج ونحوهم.
ثانيا: ثبت حد الردة بالأحاديث الصحيحة مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة» رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وبقوله -صلى الله عليه وسلم-: «من بدل دينه فاقتلوه» رواه البخاري والترمذي وأبو داود والنسائي.
ونفذ الصحابة حد الردة بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، «فعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قدم علي معاذ وأنا باليمن، فكان رجل يهودي فأسلم ثم ارتد عن الإسلام، فلما قدم معاذ قال: (لا أنزل عن دابتي حتى يقتل)، قال: وكان قد استتيب قبل ذلك» رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، وعن عكرمة قال: أتي علي -رضي الله عنه- بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تعذبوا بعذاب الله»، ولقتلتهم لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من بدل دينه فاقتلوه» رواه البخاري والترمذي وأبو داود والنسائي، ولم يخالف فيه أحد من المسلمين الذين يعتد بخلافهم، والحمد لله.
ثالثا: تفضيل الدولة العلمانية على الدولة الإسلامية هو تفضيل للكفر على الإيمان؛ كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا*أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا﴾[النساء: 51-52]
رابعا: الشريعة الإسلامية كاملة عامة صالحة لكل زمان ومكان إلى أن تقوم الساعة؛ لأنها تنزيل من حكيم حميد، فمن زعم أنها لا تصلح في هذا الزمان، وأن أنظمة البشر أصلح منها، فهو كافر؛ لأنه مكذب لله ولرسوله في كمال الشريعة وصلاحيتها لكل زمان ومكان، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ﴾[النساء: 60] إلى قوله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾[النساء: 65]
خامسا: الله سبحانه وتعالى كفر اليهود والنصارى الذين لم يؤمنوا بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا*أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا﴾[النساء: 150-151] وقال تعالى: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾[البينة: 1] إلى قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾[البينة: 6] وقال وتعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) [المائدة: 17] (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾[المائدة: 73] وقال تعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾[المائدة: 82]
سادسا: من شكك بحفظ القرآن من التغيير والتبديل فهو كافر؛ لأنه مكذب لله في قوله: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾[الحجر: 9] وقال تعالى: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾[فصلت: 42] فالقرآن والسنة لا يزالان محفوظين بحفظ الله لهما، لا يتطرق إليهما تغيير ولا تبديل، يرويهما خلف الأمة عن سلفها غضين طريين، ولله الحمد والمنة، والطعن في الصحابة تكذيب لله سبحانه في ثنائه عليهم، وتزكيته لهم بقوله تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾[الفتح: 29] الآية وبقوله: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان رَضِي اللهُ عنهمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾[التوبة: 100] وبقوله تعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾[الفتح: 18] وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه»، وإنما يطعن فيهم أعداء الإسلام من الشيعة والمنافقين والذين في قلوبهم مرض.
سابعا: الطعن في سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والتشكيك فيها طعن في القرآن الكريم الذي جاء بالأمر بالأخذ بالسنة، والعمل بها كما قال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾[الحشر: 7] وبقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه» كما في قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾[النساء: 113] والكتاب هو: القرآن، والحكمة هي: السنة. فلا يطعن في سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلا أفراخ الجهمية والمعتزلة، وأتباع المستشرقين من اليهود والنصارى، ومن تثقف بثقافتهم وشرب من منابعهم.
ثامنا: من زعم أن الإسلام لم يعط الإنسان حقوقه المناسبة فقد اتهم الله سبحانه بالظلم والجور؛ لأن الإسلام من عند الله، وقد وصفه الله بأنه هدى للناس ورحمة، وكيف يكون هدى ورحمة وهو لم يعط الناس حقوقهم، ويخلصهم من الظلم، إن من يصف الإسلام بهذا الوصف فهو كافر ملحد مكذب لله ولرسوله، نسأل الله العافية والسلامة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
المصدر :
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(22/ 238 - 248)
بكر أبو زيد ... عضو
صالح الفوزان ... عضو
عبد الله بن غديان ... عضو
عبد العزيز آل الشيخ ... نائب الرئيس
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الرئيس